للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخَافُ اللَّهَ} [الأنفال: ٤٨] ، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له، فأوردهم وأسلمهم، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه.

وقال عطاء: إني أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك.

قوله {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} [الأنفال: ٤٩] قال ابن عباس: من الأوس والخزرج وأهل المدينة.

{وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأنفال: ٤٩] قوم من قريش كانوا قد أسلموا ولم يهاجروا، فخرجوا مع من خرج من مكة لقتال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: إن كان محمد في كثرة خرجنا إليه، فلما رأوا قلة عدد المسلمين، قالوا: {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: ٤٩] إذ خرجوا مع قلة عددهم لحرب قريش مع كثرتهم، ولا يشكون في أن قريشا تغلبهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٤٩] أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به وبقضائه فإن الله قوي عزيز، يفعل بأعدائه ما شاء، حكيم في خلقه.

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ {٥٠} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ {٥١} كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ {٥٢} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {٥٣} كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ {٥٤} } [الأنفال: ٥٠-٥٤] قوله: ولو ترى يا محمد، {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} [الأنفال: ٥٠] يعني الذين قتلوا ببدر، يضربون وجوههم إذا أقبلوا على المسلمين، وأدبارهم إذا ولوا، وذوقوا ويقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق: قال ابن عباس: يقولون لهم ذلك بعد الموت.

وقال الحسن: كان مع الملائكة مقامع كلما ضربوا التهبت النار في الجراحات، فذلك قوله: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ {٥٠} ذَلِكَ} [الأنفال: ٥٠-٥١] أي: ذلك العذاب الذي وقع بكم، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال: ٥١] بما كسبتم وجنيتم من قبائح أعمالكم، {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال: ٥١] لا يظلم عباده بعقوبتهم على كفرهم، وإن كان كفرهم مخلوقا له، لأن له أن يتصرف في مملوكه كما شاء فيستحيل نسبة الظلم إليه.

قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [الأنفال: ٥٢] قال الزجاج: معناه: عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم.

قال ابن عباس: هو أن آل فرعون أيقنوا أن موسى نبي من الله فكذبوه، كذلك هؤلاء جاءهم محمد بالصدق والدين فكذبوه، وجحدوا نبوته، فأنزل الله بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون.

وذلك قوله: {كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ} [الأنفال: ٥٢] قادر لا يغلبه شيء، شديد العقاب لمن كفر به وكذب رسله، قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ} [الأنفال: ٥٣] أي: ذلك الأخذ والعقاب لأن الله لا يغير ما أنعم به على قوم لو لم يغيروا هم بالكفران وترك الشكر، فإذا غيروا هم غيّر اللهُ ما بهم فسلبهم النعمة وأخذهم بالعقاب، قال السدي:

<<  <  ج: ص:  >  >>