فنزه نَفسه أَن يكون فعله كَفعل اللاعب العابث الَّذِي لَا يقْصد غَايَة محمودة يُرِيد سوق الْوَسَائِل إِلَيْهَا فَإِن هَذَا فعل الجاد الَّذِي يَجِيء بِالْحَقِّ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم لما آتَاهُ الله رشده من قبل التَّوْرَاة وَالْقُرْآن إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين إِلَى قَوْله أم أَنْت من اللاعبين قَالَ بل ربكُم رب السَّمَوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطرهن وَأَنا على ذَلِكُم من الشَّاهِدين [سُورَة الْأَنْبِيَاء ٥٢ - ٥٦] فَهُوَ لما قَالَ مَا قَالَ قَالُوا جئتنا بِالْحَقِّ أم أَنْت من اللاعبين الْآيَة ٥٥ فَالَّذِي يَأْتِي بِالْحَقِّ خلاف اللاعب فَإِنَّهُ يقْصد أَن يخبر بِصدق وَيَأْمُر بِمَا ينفع وَهُوَ الْعدْل بِخِلَاف اللاعب العابث فَإِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُوده هَذَا بل اللَّهْو واللعب
وَلِهَذَا قد يشْتم الْإِنْسَان على وَجه اللّعب وَيفْعل بِهِ أَفعَال مُنكرَة فَلَا يُنكر ذَلِك كَمَا يُنكره من الجاد المحق وَلِهَذَا كَانَ عَامَّة اللَّهْو بَاطِلا لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَة كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل لَهو يلهو بِهِ الرجل لَهو بَاطِل إِلَّا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امْرَأَته فَإِنَّهُ من الْحق فَالْحق ضد الْبَاطِل وَاللَّهْو بَاطِل وَلِهَذَا تنزه سُبْحَانَهُ عَن أَن يخلقهما بَاطِلا
وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين فاللاعب صَاحب بَاطِل لَا صَاحب حق وَلِهَذَا لما دخل عمر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده الْأسود بن سريع ينشده فأسكته مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالَ من هَذَا الَّذِي تسكتني لَهُ قَالَ هَذَا رجل لَا يحب الْبَاطِل فَإِن عمر كَانَ لَا يُحِبهُ وَلَا يصبر على صَاحبه وَالنَّبِيّ