للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذان الْوَجْهَانِ كِلَاهُمَا معنى صَحِيح لقَوْل الْقَائِل حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين

الْمَعْنى الْفَاسِد للعبارة

وَأما الْمَعْنى الْفَاسِد فَأن يظنّ الضان أَن الْحَسَنَات الَّتِي أَمر الله بهَا أمرا عَاما يدْخل فِيهِ الْأَبْرَار وَيكون سيئات للمقربين مثل من يظنّ أَن الصَّلَوَات الْخمس ومحبة الله وَرَسُوله والتوكل على الله وإخلاص الدَّين لله وَنَحْو ذَلِك هِيَ سيئات فِي حق المقربين فَهَذَا قَول فَاسد غلا فِيهِ قوم من الزَّنَادِقَة الْمُنَافِقين المنتسبين إِلَى الْعلمَاء والعباد فزعموا أَنهم يصلونَ إِلَى مقَام المقربين الَّذِي لَا يؤمرون فِيهِ بِمَا يُؤمر بِهِ عُمُوم الْمُؤمنِينَ من الْوَاجِبَات وَلَا يحرم عَلَيْهِم مَا يحرم على عُمُوم الْمُؤمنِينَ من الْمُحرمَات كَالزِّنَا وَالْخمر وَالْميسر

وَكَذَلِكَ زعم قوم فِي أَحْوَال الْقُلُوب الَّتِي يُؤمر بهَا جَمِيع الْمُؤمنِينَ أَن المقربين لَا تكون هَذِه حَسَنَات فِي حَقهم

وكلا هذَيْن من أَخبث الْأَقْوَال وأفسدها

وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن التائب من الْحَسَنَات إِن علم أَنَّهَا حَسَنَات وَتَابَ مِنْهَا فقد أذْنب إِمَّا بِكفْر أَو فسوق أَو مَعْصِيّة وَإِن لم يعلم أَنَّهَا حَسَنَات فَهُوَ ضال جَاهِل لِأَنَّهُ إِذا تَابَ مِمَّا يُسمى حَسَنَة وَكَانَ حَسَنَة فِي الشَّرِيعَة حَقِيقَة قد أَمر الله بهَا فَهُوَ ارْجع عَن طَاعَة الله الَّتِي هِيَ طَاعَته وَهِي حَسَنَة وَالرُّجُوع عَن طَاعَة الله وَدينه لَا يخرج عَن أَن يكون ردة عَن أصل الدَّين فَيكون كفرا مغلظا وَإِمَّا عَن كَمَاله هَذَا لَو كَانَ الرُّجُوع بِنَفس التّرْك فَإِن ترك الْإِيمَان كفر وَترك الْوَاجِبَات إِمَّا فسق وَإِمَّا مَعْصِيّة وَترك المستحبات المتطوعة يُؤَخر دَرَجَته هَذَا إِذا كَانَ تركا مَحْضا فَأَما إِذا اعقتد مَعَ ذَلِك أَن الْحَسَنَات الَّتِي يُحِبهَا الله وَرَسُوله مِمَّا يُتَاب مِنْهَا بِحَيْثُ ينْدَم العَبْد عَلَيْهَا فيعتقد أَن تَركهَا خير من فعلهَا أَو أَنَّهَا لَيست أمورا بهَا أَو أَنَّهَا لَا تقرب إِلَى الله أَو لَا تَنْفَع

<<  <  ج: ص:  >  >>