للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل هَذِه الْبِدْعَة من قَول جهم فَإِنَّهُ كَانَ غاليا فِي نفي الصِّفَات وَفِي الْجَبْر فَجعل من تَمام تَوْحِيد الذَّات نفي الصِّفَات وَمن تَمام تَوْحِيد الْأَفْعَال نفى الْأَسْبَاب حَتَّى أنكر تَأْثِير قدرَة العَبْد بل نفى كَونه قَادِرًا وَأنكر الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة وَكَانَ يخرج إِلَى الجذمي فَيَقُول أرْحم الرَّاحِمِينَ يفعل كل هَذَا يَعْنِي أَنه يفعل بمحض الْمَشِيئَة بِلَا رَحْمَة وَقَوله فِي الْقدر قد يقرب إِلَيْهِ الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه من الطوائف

وَالَّذِي عَلَيْهِ السّلف وَالْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء وَالْجُمْهُور وَكثير من أهل الْكَلَام إِثْبَات الْأَسْبَاب كَمَا دلّ على ذَلِك الْكتاب وَالسّنة مَعَ دلَالَة الْحس وَالْعقل وَالْكَلَام على هَؤُلَاءِ مَبْسُوط فِي مَوَاضِع أخر

التَّوَكُّل عِنْد الْجُمْهُور يجلب الْمَنْفَعَة وَيدْفَع الْمضرَّة وَهُوَ سَبَب عِنْد الْأَكْثَرين

وَالْمَقْصُود هُنَا الْكَلَام على التَّوَكُّل فَإِن الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن المتَوَكل يحصل لَهُ بتوكله من جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة مَا لَا يحصل لغيره وَكَذَلِكَ الدَّاعِي وَالْقُرْآن يدل على ذَلِك فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ثمَّ هُوَ سَبَب عِنْد الْأَكْثَرين وعلامة عِنْد من يَنْفِي الْأَسْبَاب قَالَ تَعَالَى وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء قدرا [سُورَة الطَّلَاق ٢ - ٣] والحسب الْكَافِي فَبين أَنه كَاف من توكل عَلَيْهِ وَفِي الدُّعَاء يَا حسب المتَوَكل فَلَا يُقَال هُوَ حسب غير المتَوَكل كَمَا هُوَ حسب المتَوَكل لِأَنَّهُ علق هَذِه الْجُمْلَة على الأولى تَعْلِيق الْجَزَاء على الشَّرْط فَيمْتَنع فِي مثل ذَلِك أَن يكون وجود الشَّرْط كَعَدَمِهِ وَلِأَنَّهُ رتب الحكم على الْوَصْف الْمُنَاسب لَهُ

توكل الْمُؤمن على الله هُوَ سَبَب كَونه حسبا لَهُ

فَعلم أَن توكله هُوَ سَبَب كَونه حسبا لَهُ وَلِأَنَّهُ ذكر ذَلِك فِي سِيَاق التَّرْغِيب فِي التَّوَكُّل كَمَا رغب فِي التَّقْوَى فَلَو لم يحصل للمتوكل من الْكِفَايَة

<<  <  ج: ص:  >  >>