وَجلة أَنهم إِلَى رَبهم رَاجِعُون [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ ٦٠] وَقد روى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله أهوَ الرجل يَزْنِي وَيسْرق وَيشْرب الْخمر وَيخَاف فَقَالَ لَا يَا بنت الصّديق وَلكنه الرجل يَصُوم وَيُصلي وَيتَصَدَّق وَيخَاف أَلا يقبل مِنْهُ
وَهَذَا لِأَن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ [سُورَة الْمَائِدَة ٢٧] أَي من الَّذين يتقونه فِي الْعَمَل
وَالتَّقوى فِي الْعَمَل بشيئين أَحدهمَا إخلاصه لله وَهُوَ أَن يُرِيد بِهِ وَجه الله لَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا وَالثَّانِي أَن يكون مِمَّا أمره الله بِهِ وأحبه فَيكون مُوَافقا للشريعة لَا من الدَّين الَّذِي شَرعه من لم يَأْذَن الله لَهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا [سُورَة هود ٧] قَالَ اخلصه وأصوبه وَذَلِكَ أَن الْعلم إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة
فالسعيد يخَاف فِي أَعماله أَن لَا يكون صَادِقا فِي إخلاصه الدَّين لله أَو أَن لَا تكون مُوَافقَة لما أَمر الله بِهِ على لِسَان رَسُوله وَلِهَذَا كَانَ السّلف يخَافُونَ النِّفَاق على أنفسهم فَذكر البُخَارِيّ عَن أبي عالية قَالَ أدْركْت ثَلَاثِينَ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم يخَاف النِّفَاق على نَفسه وَلِهَذَا كَانُوا يستثنون فَيَقُول أحدهم أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله وَمثل هَؤُلَاءِ يَسْتَغْفِرُونَ الله مِمَّا علموه أَو لم يعلموه من التَّقْصِير والتعدي ويتوبون من ذَلِك