وَهُوَ وَإِن خلقه لما لَهُ فِي ذَلِك من الْحِكْمَة فَلَا يمْتَنع أَن يخلق مَا لَا يُحِبهُ لإفضائه إِلَى الْحِكْمَة الَّتِي يُحِبهَا كَمَا خلق الشَّيَاطِين. فَنحْن راضون عَن الله فِي أَن يخلق مَا يَشَاء وَهُوَ مَحْمُود على ذَلِك.
وَأما نفس هَذَا الْفِعْل المذموم وفاعله فَلَا نرضى بِهِ وَلَا نحمده. وَفرق بَين مَا يحب لنَفسِهِ وَمَا يُرَاد لإفضائه إِلَى المحبوب مَعَ كَونه مبغضا من جِهَة أُخْرَى؛ فَإِن الْأَمر الْوَاحِد يُرَاد من وَجه وَيكرهُ من وَجه آخر. كَالْمَرِيضِ الَّذِي يتَنَاوَل الدَّوَاء الكريه؛ فَإِنَّهُ يبغض الدَّوَاء ويكرهه وَهُوَ مَعَ هَذَا يُرِيد اسْتِعْمَاله لإفضائه إِلَى المحبوب لَا لِأَنَّهُ فِي نَفسه مَحْبُوب.
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح: " يَقُول الله تَعَالَى: وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن قبض نفس عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ ". فَهُوَ سُبْحَانَهُ لما كره مساءة عَبده الْمُؤمن الَّذِي يكره الْمَوْت كَانَ هَذَا مقتضيا أَن يكره إماتته مَعَ أَنه يُرِيد إماتته؛ لما لَهُ فِي ذَلِك من الْحِكْمَة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالأمور الَّتِي يبغضها الله تَعَالَى وَينْهى عَنْهَا لَا تحب وَلَا ترْضى؛ لَكِن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute