فَهَؤُلَاءِ يشْهدُونَ تَوْحِيد الربوبية مَعَ تَوْحِيد الإلهية فَيَشْهَدُونَ أَن الله هُوَ الَّذِي خلق مَا قَامَ بهم من أَفعَال الْبر وَالْخَيْر فَلَا يرَوْنَ لأَنْفُسِهِمْ حمدا وَلَا منَّة على أحد، ويرون أَن الله خَالق أَفعَال الْعباد فَلَا يرَوْنَ أحدا مسيئا إِلَيْهِم وَلَا يرَوْنَ لَهُم حَقًا على أحد إِذْ قد شهدُوا أَن الله خَالق كل شَيْء من أَفعَال الْعباد وَغَيرهَا وهم يعلمُونَ أَن الْعباد لَا يسْتَحقُّونَ من أنفسهم وَلَا بِأَنْفسِهِم على الله شَيْئا بل هُوَ الَّذِي كتب على نَفسه الرَّحْمَة.
وَيشْهدُونَ: أَنه لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَأما مَا قَامَ بالعباد من أذاهم فَالله خالقه وَهُوَ من عدله، وَمَا تَركه النَّاس من حُقُوقهم الَّتِي يستحقونها على النَّاس فَهُوَ الَّذِي لم يخلقه وَله الْحَمد على كل حَال على مَا فعل وَمَا لم يفعل.
وَلِهَذَا كَانُوا منكسرة قُلُوبهم؛ لشهودهم وجوده الْكَامِل، وعدمهم الْمَحْض، وَلَا أعظم انكسارا مِمَّن لم ير لنَفسِهِ إِلَّا الْعَدَم لَا يرى لَهُ شَيْئا وَلَا يرى بِهِ شَيْئا.
وَصَاحب الْحَقِيقَة الَّذِي هُوَ دون هَذَا قد شَاركهُ فِي إخلاص الدَّين لله وَأَنه لَا يفعل إِلَّا مَا أَمر بِهِ فَلَا يفعل إِلَّا لله لَكِن قصر عَنهُ فِي شُهُود