(فَالْأول) هُوَ الَّذِي يذم ويعاقب على تَركه بِخِلَاف (الثَّانِي) فَإِن من أَمر بِالْحَجِّ أَو الْجُمُعَة وَكَانَ مَكَانَهُ بَعيدا فَعَلَيهِ أَن يسْعَى من الْمَكَان الْبعيد، والقريب يسْعَى من الْمَكَان الْقَرِيب فَقطع تِلْكَ المسافات من لَوَازِم الْمَأْمُور بِهِ وَمَعَ هَذَا فَإِذا ترك هَذَانِ الْجُمُعَة وَالْحج لم تكن عُقُوبَة الْبعيد أعظم من عُقُوبَة الْقَرِيب بل ذَاك بِالْعَكْسِ أولى مَعَ أَن ثَوَاب الْبعيد أعظم فَلَو كَانَت اللوازم مَقْصُودَة لِلْأَمْرِ لَكَانَ يُعَاقب بِتَرْكِهَا فَكَأَن تكون عُقُوبَة الْبعيد أعظم وَهَذَا بَاطِل قطعا.
وَهَكَذَا إِذا فعل الْمَأْمُور بِهِ فَإِنَّهُ لَا بُد من ترك أضداده، لَكِن ترك الأضداد هُوَ من لَوَازِم فعل الْمَأْمُور بِهِ لَيْسَ مَقْصُودا لِلْأَمْرِ بِحَيْثُ إِنَّه إِذا ترك الْمَأْمُور بِهِ عُوقِبَ على تَركه لَا على فعل الأضداد الَّتِي اشْتغل بهَا وَكَذَلِكَ الْمنْهِي عَنهُ مَقْصُود الناهي عَدمه؛ لَيْسَ مَقْصُوده فعل شَيْء من أضداده وَإِذا تَركه متلبسا بضد لَهُ كَانَ ذَلِك من ضَرُورَة التّرْك.
وعَلى هَذَا إِذا ترك حَرَامًا بِحرَام آخر فَإِنَّهُ يُعَاقب على الثَّانِي وَلَا يُقَال فعل وَاجِبا وَهُوَ ترك الأول؛ لِأَن الْمَقْصُود عدم الأول، فالمباح الَّذِي اشْتغل بِهِ عَن محرم لم يُؤمر بِهِ وَلَا بأمثاله [كَانَ] أمرا مَقْصُودا؛ لَكِن نهي عَن الْحَرَام وَمن ضَرُورَة ترك الْمنْهِي عَنهُ الِاشْتِغَال بضد من أضداده فَذَاك يَقع