للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (الْمَقْصُود هُنَا) ذكر أهل الاسْتقَامَة من الطَّائِفَتَيْنِ، وَالْكَلَام على حَال أهل الْعِبَادَة والإرادة الَّذين خَرجُوا عَن الْهوى وَهُوَ الْفرق الطبعي وَقَامُوا بِمَا علموه من الْفرق الشَّرْعِيّ. وَبَقِي " قسم ثَالِث " لَيْسَ لَهُم فِيهِ فرق طبعي وَلَا عِنْدهم فِيهِ فرق شَرْعِي فَهُوَ الَّذِي جروا فِيهِ مَعَ الْفِعْل وَالْقدر.

وَأما من جرى مَعَ الْفرق الطبعي إِمَّا عَالما بِأَنَّهُ عَاص وَهُوَ الْعَالم الْفَاجِر أَو محتجا بِالْقدرِ أَو بذوقه ووجده معرضًا عَن الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ العابد الْجَاهِل فَهَذَا خَارج عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم.

وَهَذَا مِمَّا يبين حَال كَمَال حَال الصَّحَابَة وَأَنَّهُمْ خير قُرُون هَذِه الْأمة؛ إِذْ كَانُوا فِي خلَافَة النُّبُوَّة يقومُونَ بالفروق الشَّرْعِيَّة فِي جليل الْأُمُور ودقيقها مَعَ اتساع الْأَمر وَالْوَاحد من الْمُتَأَخِّرين قد يعجز عَن معرفَة الفروق الشَّرْعِيَّة فِيمَا يَخُصُّهُ كَمَا أَن الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ يتبع هَوَاهُ فِي أَمر قَلِيل. فَأُولَئِك مَعَ عَظِيم مَا دخلُوا فِيهِ من الْأَمر وَالنَّهْي لَهُم الْعلم الَّذِي يميزون بِهِ بَين الْحَسَنَات والسيئات وَلَهُم الْقَصْد الْحسن الَّذِي يَفْعَلُونَ بِهِ الْحَسَنَات. وَالْكثير من الْمُتَأَخِّرين الْعَالمين والعابدين يفوت أحدهم الْعلم فِي كثير من الْحَسَنَات والسيئات حَتَّى يظنّ السَّيئَة حَسَنَة وَبِالْعَكْسِ، أَو يفوتهُ الْقَصْد فِي كثير من الْأَعْمَال حَتَّى يتبع هَوَاهُ فِيمَا وضح لَهُ من الْأَمر وَالنَّهْي.

فنسأل الله أَن يهدينا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أنعم عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>