للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَما وجود الْفِعْل فَلَا يكون إِلَّا عَن محبَّة وَإِرَادَة حَتَّى دَفعه للأمور الَّتِي يكرهها ويبغضها هُوَ لما فِي ذَلِك من المحبوب أَو اللَّذَّة يجدهَا بِالدفع فَيُقَال شفى صَدره وَقَلبه والشفاء والعافية بمحبوب

والمحبة والإرادة تكون إِمَّا بِوَاسِطَة وَإِمَّا بِغَيْر وَاسِطَة مثل فعله للأشياء الَّتِي يكرهها كشرب الدَّوَاء وَالْمَكْرُوه وَفعل الْأَشْيَاء الْمُخَالفَة لهواه وَصَبره وَنَحْو ذَلِك

فَإِن هَذِه الْأُمُور وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة من بعض الْوُجُوه فَإِنَّمَا يفعل أَيْضا لمحبة وَإِرَادَة وَإِن لم تكن الْمحبَّة لنَفسهَا بل الْمحبَّة لملازمها فَإِنَّهُ يحب الْعَافِيَة وَالصِّحَّة المستلزمة لإِرَادَة شرب الدَّوَاء وَيُحب رَحْمَة الله ونجاته من عَذَابه المستلزم لإِرَادَة ترك مَا يهواه كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِمَّا من خَافَ مقَام ربه وَنهي النَّفس عَن الْهَوِي فَلَا يتْرك الْحَيّ مَا يُحِبهُ ويهواه إِلَّا لما يُحِبهُ ويهواه لَكِن يتْرك أضعفهما محبَّة لأقواهما محبَّة كَمَا يفعل مَا يكرههُ لما محبته أقوي من كَرَاهَة ذَلِك وكما يتْرك مَا يُحِبهُ لما كَرَاهَته أقوي من محبَّة ذَلِك

وَلِهَذَا كَانَت الْمحبَّة والإرادة أصلا للبغض وَالْكَرَاهَة وَعلة لَهَا ولازما مستلزما لَهَا من غير عِلّة

وَفعل البغض فِي الْعَالم إِنَّمَا هُوَ لمنافاة المحبوب وَلَوْلَا وجود المحبوب لم يكن البغض بِخِلَاف الْحبّ للشَّيْء فَإِنَّهُ قد يكون لنَفسِهِ لَا لأجل منافاته للبغض وبغض الْإِنْسَان وغضبه مِمَّا يضاد وجود محبوبه ومانع ومستلزم لَا يكره عَلَيْهِ ونجد قُوَّة البغض للنافي أَشد وأحوط

<<  <  ج: ص:  >  >>