فهؤلاء كانوا يبشرون بهذه الطريقة الجليلة، ولفظ ملكوت السماوات بحسب الظاهر يدل على أن هذا الملكوت يكون في صورة السلطنة لا في صورة المسكنة، وأن المحاربة والجدال فيه مع المخالفين يكونان لأجله، وأن مبنى قوانينه لا بد أن يكون كتاباً سماوياً، وكل من هذه الأمور يصدق على الشريعة المحمدية، وما قال العلماء المسيحية أن المراد بهذا الملكوت، شيوع الملة المسيحية في جميع العالم وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول عيسى عليه السلام، فتأويل ضعيف خلاف الظاهر، ويرده التمثيلات المنقولة عن عيسى عليه السلام في الباب الثالث عشر من إنجيل متى، مثلاً قال:(يشبه ملكوت السماوات إنساناً زرع زرعاً جيداً في حقله) ، ثم قال:(يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله) ، ثم قال:(يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع) .
فشبه ملكوت السماوات بإنسان زارع لا بنمو الزراعة وحصادها، وكذلك شبه بحبة خردل لا بصيرورتها شجرة عظيمة، وشبه بخميرة لا باختمار جميع الدقيق. وكذا يرد هذا التأويل قول عيسى عليه السلام بعد بيان التمثيل المنقول في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا:(لذلك أقول أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) فإن هذا القول يدل على أن المراد بملكوت السماوات طريقة النجاة نفسها لا شيوعها في جميع العالم وإحاطتها كل العالم، وإلا لا معنى لنزع