للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتذكرت حكاية مناسبة للمقام:

جاء بعض القسيسين في محكمة المفتي من محكمات الدولة الإنكليزية في الهند فقال: يا جناب المفتي لي سؤال على المسلمين أمهل المجيب إلى سنة لأداء جوابه. فأشار المفتي إلى ناظر المحكمة وكان رجلاً ظريفاً فقال: أي سؤال هذا قال القسيس: إن نبيكم ادعى أنه مأمور بالجهاد وما كان موسى مأمور به ولا عيسى. فقال الناظر: [ص ٣٥٩] أهذا هو السؤال الذي تمهلنا إلى سنة لنتفكر في جوابه. قال القسيس: نعم. قال الناظر: لا نستمهلك، وأجيبك الآن لسببين: أما أولاً فلأنا متعلقون بالدولة الإنكليزية ولا فرصة لنا إلا في أيام التعطيل فمن يمهلنا إلى سنة. وأما ثانياً فلأن هذا السؤال لا يحتاج في جوابه إلى تأمل.. ماذا تقول في حق لجج (يعني الحاكم الإنكليزي الذي يكون بمنزلة القاضي في الشرع) أيجوز له بحسب القوانين الإنكليزية أن يقتل القاتل قصاصاً إذا ثبت القتل عليه عنده، قال القسيس: لا، لأنه ليس بمأمور بهذا، بل منصبه أن يرسل هذا القاتل إلى شيشن جج (يعني الحاكم الكبير منه) . قال: أيجوز لهذا الحاكم الكبير بحسب القوانين أن يقتله إذا ثبت القتل عنده. قال القسيس: لا، لأنه ليس بمأمور أيضاً، بل منصبه أن يحقق الأمر ثانياً ويخبر الحاكم الذي هو أعلى منه حتى يصدر حكم القتل عن هذا الأعلى ثم يحكم هذا الكبير بقتله. فقال الناظر: أهؤلاء الحكام الثلاثة ليسوا بمتعلقين بالدولة الواحدة الإنكليزية. قال القسيس: بلى لكن اختلاف الاقتدار لأجل مناصبهم. فقال الناظر: الآن ظهر الجواب من كلامك، فلا بد أن تعلم أن موسى وعيسى عليهما السلام بمنزلة الحاكمين الأولين ونبينا بمنزلة الحاكم الثالث الأعلى، فكما لا يلزم من عدم اقتدار الحاكمين الأولين عدم اقتدار الثالث فكذا لا يلزم من عدم اقتدار موسى وعيسى عليه السلام عدم اقتدار محمد صلى الله عليه وسلم.

فسكت القسيس وخرج خائباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>