كتب إنجيله باللسانين العبراني واليوناني" لا يلتفت إليه لأنه مجرد الظن بلا برهان، ويقوي قول القدماء أن متى كان من الحواريين، ورأى أكثر أحوال المسيح عليه السلام بعينه، وسمع البعض، فلو كان مؤلف هذا الإنجيل لظهر من كلامه في موضع من المواضع أنه يكتب الأحوال التي رآها ولعبّر عن نفسه بصيغة المتكلم، كما جرت به العادة سلفاً وخلفاً، وهذه العادة ما كانت مهجورة في عهد الحواريين أيضاً، ألا ترى إلى رسائلهم المندرجة في العهد الجديد لو سلمت أنها رسائلهم فإنه يظهر منها هذا الحال للناظر، ألا ترى إلى تحرير لوقا فإنه لما كتب الإنجيل كله بالسماع، وكذا كتاب أعمال الحواريين إلى الباب التاسع عشر لا يظهر منهما هذا الحال، ولا يعبر عن نفسه بصيغة المتكلم، وبعد ذلك لما صار شريك بولس في السفر فكتب من الباب العشرين من كتاب أعمال الحواريين بحيث يظهر منه هذا الحال، وعبر عن نفسه بصيغة المتكلم فإن تمسك أحد بتوراة موسى عليه السلام وإنجيل يوحنا فهما عندنا في محل النزاع كما عرفت في الباب الأول، وكيف يتمسك بخلاف الظاهر بلا برهان قوي، وإذا كان المؤلف ثقة معتبراً فتحريره بحيث يظهر منه الحال المذكور موجب للاعتبار. وعلم من كلام جامعي تفسير هنري واسكات أن هذا الإنجيل ما كان متواتراً في القرن الأول، وأن التحريف كان شائعاً في هذا القرن أيضاً في المسيحيين، وإلا لما أمكن لأحد تحريفه، وإن وقع بالفرض لا يكون سبباً لتركه، فإذا لم يسلم الأصل فكيف يظن السلامة بالترجمة التي لم يعلم صاحبها أيضاً بالسند الكامل، بل الحق أنها كلها محرّفة.