لا شك أنهم كانوا من أشد أعدائه، وكانوا أحرص الناس في تكذيبه، وكانوا متفكرين في الأمور التي بها ينمحي الإسلام أو تحصل الذلة لأهله، وكان المطلوب منهم أمراً سهلاً لا صعباً، فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم صادقاً في دعواه عندهم لبادروا إلى القول به لتكذيبه، بل أعلنوا هذا التمني بالقول مراراً وشهروا أنه كاذب يفتري على الله أنه قال كذا، ويدعي من جانب نفسه ادعاء ويقول تارةً: والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه، يعني مات مكانه، ويقول تارةً: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ونحن تمنينا مراراً وما متنا مكاننا فظهرت بصرفهم عن تمنيهم مع كونهم على تكذيبه أحرص الناس معجزته وبانت حجته، وفي هذه الآية إخباران عن الغيب:(الأول) أن قوله {لن يتمنوه} يدل دلالة بينة على أن ذلك لا يقع في المستقبل من أحد منهم فيفيد عموم الأشخاص.
(والثاني) أن قوله أبداً يدل على أنه لا يوجد في شيء من الأزمنة الآتية في المستقبل يفيد عموم الأوقات فبالنظر إلى العمومين هما غيبان ٢٢- وكقوله تعالى:{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} فأخبر بأنهم لا يفعلون ألبتة، ووقع كما أخبر،