للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما نهي سدّاً للذَّريعة يُباح لمصلحة راجحة

(إن ما نُهي عنه لسد الذريعة يباح للمصلحة الراجحة، كما يباح النظر إلى المخطوبة والسفر بها إذا خيف ضياعها كسفرها من دار الحرب، مثل سفر أم كلثوم، وكسفر عائشة لما تخلفت مع صفوان بن المعطل؛ فإنه لم يُنه عنه إلا لأنه يفضي إلى المفسدة، فإذا كان مقتضياً للمصلحة الراجحة لم يكن مفضياً إلى مفسدة.

وهذا موجود في التطوع المطلق؛ فإنه قد يفضي إلى المفسدة، وليس الناس محتاجين إليه في أوقات النهي لسعة الأوقات التي تباح فيها الصلاة، بل في النهي عنه بعض الأوقات مصالح أُخر من إجمام النفوس بعض الأوقات من ثقل العبادة كما يجم بالنوم وغيره، ولهذا قال معاذ: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي (١) ، ومن تشويقها وتحبيب الصلاة إليها إذا منعت منها وقتاً؛ فإنه يكون أنشط وأرغب فيها؛ فإن العبادة إذا خصت ببعض الأوقات نشطت النفوس لها أعظم مما تنشط للشيء الدائم، ومنها أن الشيء الدائم تسأم منه وتمل وتضجر، فإذا نهي عنه بعض الأوقات زال ذلك الملل، إلى أنواع أُخر من المصالح في النهي عن التطوع المطلق؛ ففي النهي دفع لمفاسد وجلب لمصالح من غير تفويت مصلحة.

وأما ما كان له سبب؛ فمنها ما إذا نهى عنه فاتت المصلحة، وتعطل على الناس من العبادة والطاعة وتحصيل الأجر والثواب والمصلحة العظيمة في دينهم ما لا يمكن استدراكه؛ كالمعادة مع إمام الحي، وكتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، ونحو ذلك، ومنها ما تنقص به


(١) رواه البخاري في (المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، ٤٣٤٢، وفي استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، ٦٩٢٣) ، ومسلم في (الإمارة، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، ١٨٢٤) .

<<  <   >  >>