(الإجزاء والإثابة يجتمعان ويفترقان؛ فالإجزاء براءة الذمة من عهدة الأمر، وهو السلامة من ذم الرب أو عقابه، والثواب الجزاء على الطاعة وليس الثواب من مقتضيات مجرد الامتثال، بخلاف الإجزاء؛ فإن الأمر يقتضي إجزاء المأمور به لكن هما مجتمعان في الشرع؛ إذ قد استقر فيه أن المطيع مثاب والعاصي معاقب، وقد يفترقان فيكون الفعل مجزئاً لا ثواب فيه إذا قارنه من المعصية ما يقابل الثواب، كما قيل: ((رب صائم حظه من صيامه العطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر)) (١) ؛ فإن قول الزور والعمل به في الصيام أوجب إثماً يقابل ثواب الصوم، وقد اشتمل الصوم على الامتثال المأمور به والعمل المنهي عنه، فبرئت الذمة للامتثال ووقع الحرمان للمعصية، وقد يكون مثاباً عليه غير مجزىء إذا فعله ناقصاً عن الشرائط والأركان، فيثاب على ما فعل، ولا تبرأ الذمة إلا بفعله كاملاً.
وهذا تحرير جيد أن فعل المأمور به يوجب البراءة، فإن قارنه معصية بقدره تخل بالمقصود قابل الثواب، وإن نقص المأمور به أثيب ولم تحصل البراءة التامة؛ فإما أن يعاد، وإما أن يجبر، وإما أن يأثم.
فتدبر هذا الأصل؛ فإن المأمور به مثل المحبوب المطلوب، إذا لم يحصل تاماً لم يكن المأمور بريئاً من العهدة، فنقصه إما أن يجبر بجنسه أو ببدل، أو بإعادة الفعل كاملاً إذا كان مرتبطاً، وإما أن يبقى في العهدة كركوب المنهي عنه.
فالأول: مثل من أخرج الزكاة ناقصاً؛ فإنه يخرج التمام.
(١) حديث صحيح. رواه أحمد في ((المسند)) (٢ / ٣٧٣) ، وابن ماجه في (الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: ((صحيح الجامع)) (٣٤٨٨، ٣٤٩٠) .