للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل جامع في تعارض الحسنات والسَّيِّئات

(إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما؛ فنقول:

قد أمر الله ورسوله بأفعال واجبة ومستحبة؛ وإن كان الواجب مستحباً وزيادة، ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة، والدين هو طاعته وطاعة رسوله، وهو الدين والتقوى والبر والعمل الصالح والشرعة والمنهاج؛ وإن كان بين هذه الأسماء فروق، وكذلك حَمَدَ أفعالاً هي الحسنات ووعد عليها، وذم أفعالاً هي السيئات وأوعد عليها ...

وقال في المتعارض: {يَسْألونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فيهما إثْمٌ كبيرٌ وَمَنافِعُ للنَّاسِ وإثْمُهُما أكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} (١) ، وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تَكْرَهوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ} (٢) ...

ونقول: إذا ثبت أن الحسنات لها منافع وإن كانت واجبة؛ كان في تركها مضار، والسيئات فيها مضار، وفي المكروه بعض حسنات؛ فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح، وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما، وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة، وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.


(١) البقرة: ٢١٩.
(٢) البقرة: ٢١٦.

<<  <   >  >>