(إن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثراً يصح التمسك به لم يُكره شيء من ذلك، بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف، وفي نوعي الأذان الترجيع وتركه، ونوعي الإقامة شفعها وإفرادها، وكما قلنا في أنواع التشهدات، وأنواع الاستفتاحات، وأنواع الاستعاذات، وأنواع القراءات، وأنواع تكبيرات العيد الزوائد، وأنواع صلاة الجنازة وسجود السهو، والقنوت قبل الركوع وبعده، والتحميد بإثبات الواو وحذفها، وغير ذلك، لكن قد يستحب بعض هذه المأثورات ويفضل على بعض إذا قام دليل يوجب التفضيل ولا يكره الآخر.
ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد، لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معاً ولا بقراءتين معاً ولا بصلاتي خوف معاً، وإن فعل ذلك مرتين كان ذلك منهياً عنه؛ فالجمع بين هذه الأنواع محرم تارة ومكروه أخرى، ولا تنظر إلى من قد يستحب الجمع في بعض ذلك، مثل ما رأيت بعضهم قد لفق ألفاظ الصلوات على النبي المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واستحب فعل ذلك الدعاء الملفق، وقال في حديث أبي بكر الصديق المتفق عليه لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً)) ، وفي رواية:((كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) (١) . فقال: يستحب أن يقول: كثيراً، كبيراً، وكذلك يقول في أشباه هذا: فإن هذا ضعيف، فإن هذا أولاً ليس سنة، بل خلاف المسنون؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل ذلك جميعه جميعاً، وإنما كان يقول
(١) رواه البخاري في (الأذان، باب الدعاء قبل السلام، ٨٣٤) ، ومسلم في (الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، ٢٧٠٥) ؛ من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.