للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرق بين السَّماع والاستماع

ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً، ويسمون الرجال المغنين مخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم.

ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معرضاً بوجهه عنهما، مقبلاً بوجهه الكريم إلى الحائط؛ فقال: ((دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا أهل الإسلام)) (١) .

ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الجواري عليه معللاً ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد، كما جاء في الحديث: ((ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة)) (٢) ، وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها، وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية؛ فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار.


(١) رواه البخاري في (الجمعة، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، ٩٥٢، وفي المناقب، باب مقدم النبي وأصحابه المدينة، ٣٩٣١) ، ومسلم في (صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، ٨٩٢) ؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) [صحيح] . رواه الإمام أحمد في ((المسند)) (٦ / ١١٦، ٢٣٣) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: ((لتعلم يهود ... )) . وانظر: ((صحيح الجامع)) (٣٢١٩) .

<<  <   >  >>