للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان والنِّفاق أصله في القلب والعمل دليل عليه وإذا حصل دليل الشَّيء حصل أصله المدلول عليه

( ... وأيضاً؛ فإنَّ الله سبحانه وإن كان قد علم منهم - يعني: الذين لمزوا النَّبيَّ - النِّفاق قبل هذا القول، لكن لم يُعلِم نبيَّه بكلِّ من لم يظهر نفاقه، بل قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرابِ مُنافِقونَ وَمِنْ أهْلِ المدينَةِ مَرَدوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنَ نَعْلَمُهُمْ} (١) ، ثمَّ إنَّه سبحانه ابتلى النَّاس بأمور يميِّز بين المؤمنين والمنافقين؛ كما قال تعالى: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الذينَ آمَنوا وَلَيَعْلَمَنَّ المُنافِقينَ} (٢) ، وقال تعالى: {ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلَى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (٣) ، وذلك لأنَّ الإيمان والنِّفاق أصله في القلب، وإنَّما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه؛ فإذا ظهر من الرَّجل شيء من ذلك ترتَّب الحكم عليه، فلمَّا أخبر سبحانه أنَّ الذين يلمزون النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والذين يؤذونه من المنافقين ثبت أنَّ ذلك دليلٌ على النِّفاق وفرعٌ له، ومعلومٌ أنَّه إذا حصل فرعُ الشَّيء ودليلهُ حصل أصلُه المدلولُ عليه؛ فثبت أنَّه حَيْثُما وُجد ذلك كان صاحبه منافقا، ً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حَدَثَ له النِّفاق بهذا القول.

فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون هذا القولُ دليلاً للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على نفاق أولئك الأشخاص الذين قالوه في حياته بأعيانهم وإن لم يكن دليلاً من غيرهم؟

قلنا: إذا كان دليلاً للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي يمكن أن يُغْنِيَهُ الله بِوَحْيِهِ عن الاستدلال؛ فأن يَكُونَ دليلاً لمن لا يمكنه معرفةُ البواطنِ أوْلى وأحْرَى.


(١) التوبة: ١٠١.
(٢) العنكبوت: ١١.
(٣) آل عمران: ١٧٩.

<<  <   >  >>