(إن المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية، وإن سميت تلك ((مسائل أصول)) وهذه ((مسائل فروع)) ؛ فإن هذه تسمية محدثة، قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين، وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب، لا سيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة.
وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية؛ فعندهم أن الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها؛ فإن الفقهاء كلامهم إنما هو فيها وكثيراً ما يكرهون الكلام في كل مسألة ليس فيها عمل، كما يقوله مالك وغيره من أهل المدينة، بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين ((مسائل أصول)) والدقيق ((مسائل فروع)) .
فالعلم بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة كالعلم بأن الله على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة، ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر، كما أن من جحد هذه كفر.
وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية؛ بل هذا هو الغالب، فإن القضايا القولية يكفي فيها الإقرار بالجمل، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره.
وأما الأعمال الواجبة؛ فلا بد من معرفتها على التفصيل لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة، ولهذا تقر الأمة من يفصلها على الإطلاق،