للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السيئات ولا يؤمرون به، ولا يجعل حظ أنفسهم عذراً لهم في فعلهم إذا لم تكن الشريعة عذرتهم؛ لكن يؤمرون بما فعلوه من الحسنات، ويحضون على ذلك ويرغبون فيه؛ وإن عُلم أنهم لا يفعلونه إلا بالسيئات المرجوحة كما يؤمر الأمراء بالجهاد، وإن عُلم أنهم لا يجاهدون إلا بنوع من الظلم الذي تقل مفسدته بالنسبة إلى مصلحة الجهاد.

ثم إذا علم أنهم إذا نهوا عن تلك السيئات تركوا الحسنات الراجحة الواجبة لم ينهوا عنها؛ لما في النهي عنها من مفسدة ترك الحسنات الواجبة إلا أن يمكن الجمع بين الأمرين، فيفعل حينئذ تمام الواجب، كما كان عمر ابن الخطاب يستعمل من فيه فجور لرجحان المصلحة في عمله، ثم يزيل فجوره بقوته وعدله.

ويكون ترك النهي عنها حينئذ؛ مثل ترك الإنكار باليد أو بالسلاح إذا كان فيه مفسدة راجحة على مفسدة المنكر، فإذا كان النهي مستلزماً في القضية المعينة لترك المعروف الراجح؛ كان بمنزلة أن يكون مستلزماً لفعل المنكر الراجح، كمن أسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين كما هو مأثور عن بعض من أسلم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أسلم بعض الملوك المسلطين وهو يشرب الخمر أو يفعل بعض المحرمات، ولو نهي عن ذلك ارتد عن الإسلام.

ففرق بين ترك العالم أو الأمير لنهي بعض الناس عن الشيء إذا كان في النهي مفسدة راجحة وبين إذنه في فعله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال؛ ففي حال أخرى يجب إظهار النهي: إما لبيان التحريم واعتقاده والخوف من فعله، أو لرجاء الترك، أو لإقامة الحجة بحسب الأحوال؛ ولهذا

<<  <   >  >>