محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر)) (١) ، والمحدث: هو الملهم المخاطب في سره، وما قال عمر لشيء: إني لأظنه كذا وكذا؛ إلا كان كما ظن، وكانوا يرون أن السكينة تنطق على قلبه ولسانه.
وأيضاً؛ فإذا كانت الأمور الكونية قد تنكشف للعبد المؤمن لقوة إيمانه يقيناً وظناً؛ فالأمور الدينية كشفها له أيسر بطريق الأولى؛ فإنه إلى كشفها أحوج، فالمؤمن تقع في قلبه أدلة على الأشياء لا يمكنه التعبير عنها في الغالب، فإن كل أحد لا يمكنه إبانة المعاني القائمة بقلبه، فإذا تكلم الكاذب بين يدي الصادق عرف كذبه من فحوى كلامه، فتدخل عليه نخوة الحياء الإيماني فتمنعه البيان، ولكن هو في نفسه قد أخذ حذره منه، وربما لوح أو صرح به خوفاً من الله وشفقةً على خلق الله ليحذروا من روايته أو العمل به.
وكثير من أهل الإيمان والكشف يلقي الله في قلبه أن هذا الطعام حرام، وأن هذا الرجل كافر أو فاسق أو ديوث أو لوطي أو خمار أو مغن أو كاذب من غير دليل ظاهر، بل بما يلقي الله في قلبه.
وكذلك بالعكس، يلقي في قلبه محبة لشخص، وأنه من أولياء الله، وأن هذا الرجل صالح، وهذا الطعام حلال، وهذا القول صدق؛ فهذا وأمثاله لا يجوز أن يُستبعد في حقِّ أولياء الله المؤمنين المتقين.
وقصة الخضر مع موسى هي من هذا الباب، وأن الخضر علم هذه
(١) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، ٣٤٦٩، وفي المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب، ٣٦٨٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم في (فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم ٢٣٩٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.