للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السماء فوقنا؛ قيل له: صدق، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان؛ فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس وغربت، أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه، ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم؛ فإن الإيمان مشتق من الأمن؛ فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر، ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ آمن له إلا في هذا النوع، والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء يقال: صدق أحدهما صاحبه، ولا يقال: آمن له؛ لأنه لم يكن غائباً عنه ائتمنه عليه، ولهذا قال: {فَآمَنَ لَهُ لوطٌ} (١) ، {أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلَنَا} (٢) ، {آمَنْتُمْ لَهُ} (٣) ، {يُؤْمِنُ باللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ} (٤) ، فيصدقهم فيما أخبروا به مما غاب عنه وهو مأمون عنده على ذلك؛ فاللفظ متضمن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة؛ كما يدل عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قالوا: {وَمَا أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (٥) ؛ أي: لا تقر بخبرنا ولا تثق به ولا تطمئن إليه ولو كنا صادقين؛ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك؛ فلو صدقوا لم يأمن لهم.

الثالث: إن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب كلفظ التصديق؛ فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدقناه أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال:


(١) العنكبوت: ٢٦.
(٢) المؤمنون: ٢٧.
(٣) الأعراف: ١٢٣.
(٤) التوبة: ٦١.
(٥) يوسف: ١٧.

<<  <   >  >>