للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرسَلِ (١)، واللهُ أعلمُ.

ثُمَّ اعْلَمْ (٢) أنَّ حُكمَ المرسَلِ حُكْمُ الحديثِ الضعيفِ، إلاَّ أنْ يصحَّ مَخْرَجُهُ بمجيئِهِ مِنْ وجهٍ آخَرَ - كما سَبقَ بيانُهُ في نوعِ الحسَنِ (٣)، ولهذا احتجَّ الشافعيُّ - رضي الله عنه - بمرسلاتِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ - رضيَ اللهُ عنهما - فإنَّها وُجِدَتْ مسانيدَ مِنْ وجوهٍ أُخرَ ولا يختصُّ ذلكَ عِندَهُ بإرسالِ ابن المسيِّبِ كما سَبَقَ، ومَنْ أنكرَ هذا زاعماً أنَّ الاعتمادَ حينئذٍ يقعُ على المسندِ دونَ المرسلِ، فيقعُ لغواً لا حاجةَ إليهِ، فجوابُهُ: أنَّهُ بالمسندِ يتبيَّنُ (٤) صِحَّةُ الإسنادِ الذي فيهِ الإرسالُ حَتَّى يُحكَمَ لهُ مَعَ إرسالِهِ بأنَّهُ إسنادٌ صحيحٌ تقومُ بهِ الحجَّةُ على ما مهَّدنا سبيلَهُ في النوعِ الثاني (٥). وإنَّما يُنْكِرُ هذا مَنْ لا مذَاقَ لهُ في هذا الشأنِ.

وما ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الاحتجاجِ بالمرسلِ والحكْمِ بضَعْفِهِ هوَ المذهبُ الذي استقرَّ عليهِ آراءُ جماهيرِ حُفَّاظِ الحديثِ ونُقَّادِ الأثَرِ (٦)، وقدْ تداولوهُ في تصانِيفِهِمْ. وفي صدرِ


= فإن قلت: لم نجعله مرسلاً بل بمعنى المرسل في كون التابعي لم يسمّ الصحابة لا غير.
قلنا: فحينئذ لا مانع من الاحتجاج به على أن قول البيهقي بعد ذلك: ((إلا أنه مرسل جيد)) تصريح بأنه مرسل عنده، وكذا قوله: ((لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة)) يفهم منه أن هذا منقطع عنده، بل قد صرّح بذلك في كتاب " المعرفة " فقال: ((وأما حديث داود الأودي عن حميد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه منقطع)) ... إلى آخر كلامه.
قال ابن حجر في نكته ٢/ ٥٦٤: ((وقد بالغ صاحب الدر النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك، وهو إنكار متجه)). وقال العراقي في التقييد: ٧٤ معقباً على صنيع البيهقي: ((وهذا ليس منه بجيد، اللهم إلا إن كان يسميه مرسلاً، ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب)).
قلنا: هو في كلا الحالين مخالف لما اصطلح عليه أهل الحديث.
(١) يتحصل - مما ذكره المصنّف هنا - مذهبان كلاهما خلاف ما حكي عن الأكثرين، وأهمل مذهباً ثالثاً، وهو أنه متّصل في إسناده مجهول، حكاه الرشيد العطار في غرر الفوائد المجموعة: ١٣٠ عن الأكثرين، واختاره العلائي في جامع التحصيل: ٩٦.
قلنا: انظر: نكت الزركشي ١/ ٤٥٩، ومحاسن الاصطلاح: ١٣٦، والتقييد والإيضاح: ٧٣، ونكت ابن حجر ٢/ ٥٦١.
(٢) ((ثم اعلم)): لم ترد في (أ) و (جـ).
(٣) انظر: نكت الزركشي ١/ ٤٦٣، ونكت ابن حجر ٢/ ٥٦٥ - ٥٦٧.
(٤) في (ع) فقط: ((تتبين)).
(٥) انظر: نكت الزركشي ١/ ٤٨٨.
(٦) اعترض بعض العلماء منهم: العلاّمة مغلطاي على هذه الدعوى، وادّعى أن الجمهور على خلافه، وقد نقل اعتراضه وأجاب عنه الزركشي في نكته ١/ ٤٩١، وابن حجر ٢/ ٥٦٧.

<<  <   >  >>