للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهمْ مَنْ قالَ: ((مَنْ أسندَ حديثاً قدْ أرسَلَهُ الحفَّاظُ فإرسالُهُم لهُ يَقْدحُ في مُسْنِدِهِ، وفي عدالتِهِ وأهليَّتِهِ)) (١).

ومنهم مَنْ قالَ: ((الحكمُ لِمَنْ أسندَهُ، إذا كانَ عدلاً ضابطاً فيُقْبَلُ خبرُهُ، وإنْ خالَفَهُ غيرُهُ سواءٌ كانَ المخالِفُ لهُ واحداً أو جماعةً)) (٢)، قالَ الخطيبُ: ((هذا القولُ هوَ الصحيحُ)) (٣).

قلتُ: وما صحَّحَهُ هوَ الصحيحُ في الفقهِ وأصولِهِ (٤).

وسُئِلَ البخاريُّ عنْ حديثِ: ((لا نِكَاحَ إلاَّ بوليٍّ)) المذكورَ، فحَكَمَ لِمَنْ وصَلَهُ، وقالَ: ((الزيادةُ مِنَ الثِّقَةِ مقبولةٌ)) (٥). فقالَ البخاريُّ هذا، مَعَ أنَّ مَنْ أرسلَهُ شُعبةُ وسفيانُ، وهما جَبَلانِ لهما مِنَ الحفظِ والإتقانِ الدرجةُ العاليةُ.

ويلتحقُ بهذا، ما إذا كانَ الذي وصَلَهُ هو الذي أرسلَهُ، وصَلَهُ في وقتٍ وأرسلَهُ في وقتٍ (٦). وهكذا إذا رفعَ بعضُهُمُ الحديثَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ووقَفَهُ بعضُهُم على الصحابيِّ أو رفَعَهُ واحدٌ في وقتٍ، ووقَفَهُ هوَ أيضاً في وقتٍ آخرَ، فالحكمُ على الأصحِّ (٧) في كلِّ ذلكَ لِمَا زادَهُ الثقةُ مِنَ الوصْلِ والرفعِ؛ لأنَّهُ مثبتٌ وغيرُهُ ساكتٌ، ولو كانَ نافياً،


(١) الكفاية: (٥٨٠ ت، ٤١١ هـ‍).
(٢) الكفاية: (٥٨٠ ت، ٤١١ هـ‍).
(٣) الكفاية: (٥٨١ ت، ٤١١ هـ‍).
(٤) قال ابن حجر ٢/ ٦١٢: ((الذي صحّحه الخطيب: شرطه أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً. وأما الفقهاء والأصوليون: فيقبلون ذلك من العدل مطلقاً، وبين الأمرين فرق كثير.
وهنا شيء يتعين التنبيه عليه، وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذاً، وفسروا الشاذ: بأنه ما رواه الثقة فخالف من هو أضبط منه أو أكثر عدداً، ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقاً، وبنوا على ذلك: أن من وصل معه زيادة فينبغي تقديم خبره على من أرسل مطلقاً، فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عدداً أو أضبط حفظاً أوكتاباً على من وصل أيقبلونه أم لا؟ لا بدَّ من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض.
والحق في هذا أن زيادة الثقة لا تقبل دائماً، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين فلم يصب، وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظاً ولا معنى)).
(٥) سنن البيهقي الكبرى ٧/ ١٠٨، والكفاية: (٥٨٢ ت، ٤١٣ هـ‍). وانظر: نكت الزركشي ٢/ ٦٢.
(٦) قال الزركشي ٢/ ٦٥: ((يريد الحكم بوصله لا مجيء كل الخلاف السابق فيه)).
(٧) وبه جزم السمعاني، والرازي وأتباعه، وانظر: البحر المحيط ٤/ ٣٤٠ - ٣٤١.

<<  <   >  >>