وقال ابن الوزير: ((ويحتمل أنهما لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه، لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدلّ على صحته، ومما لو ذكراه لطال، فاختارا إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه، ولم يكن في المتابعين الثقات الذين تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلاً وشهرة)). قلنا: هذا كله تنظير بحسب المجوزات العقلية وعدمها، أما من مارس هذا الفن وصار له ذوق فيه، علم صحة ما رواه الشيخان عن المدلسين معنعنة، وأن ذلك راجع إلى جودة انتقائها، ولعلّنا نفرد بحثاً مستقلاً في ذلك - إن شاء الله تعالى -. (١) ((قلت: يشير إلى أن العادة في التدليس يثبت بمرة؛ لأنه نوع جرح. وقد رأيت نص الشافعي في الرسالة بذلك، فقال: ((ومن عرفناه دلّس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بكذب فيرد بها حديثه، ولا نصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلناه من أهل النصيحة والصدق، فقلنا: لا يقبل من مدلّس حديثاً حتى يقول فيه: ((حدَّثَني))، و ((أخبرني)). ومعناه: أنه إذا قال المدلس بلفظ محتمل السماع وعدمه لا يقبل منه حتّى يبين أنه سمعه منه أو سمعه ممّن سمعه منه، وقد حكم البيهقي بعدم قبول قول من دلّس مرة واحدة ... . ثمَّ إذا بيّن أنه سمعه ممّن أسند الخبر إليه قبل، وإن لم يبين أنه سمعه ممَّن سمعه منه فقد تأكّد فيه شيء فيه الخلاف)). قاله بحروفه الزركشي ٢/ ٩٧ - ٩٨. (٢) ((توعير الطريق قد يكون لامتحان الأذهان في استخراج المدلسات واختبار الحفظ، وقد يكون لغير ذلك، فتحصل المفسدة)). المحاسن: ١٧١، وانظر: الاقتراح ٢١٤ - ٢١٥، ونكت الزركشي ٢/ ٩٨. (٣) كما فعل ذلك عطية العوفي إذ روى عن الكلبي -وهو ضعيف- كنَّاه أبا سعيد - وهو مشهور بأبي النضر -، يوهم أنه يروي عن أبي سعيد الخدري. انظر: الكفاية (٥٢١ ت، ٣٦٦ هـ).