قلت -القائل: الزركشي-: قد أزال الغصة الشيخ الإمام تقي الدين بن دقيق العيد، فأشار في كلام له إلى استشكال حول رواية المدلس في الصحيحين وردّ روايته في غيرهما، قال: ((ولابدّ من الثبات على طريقة واحدة إما القبول أو الردّ، الممكن هنا من الأحوال الثلاثة: إما أن تردّ الأحاديث من المدلس مطلقاً في الصحيحين وغيرهما، وإما أن يفرق بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه، فأما الأول فلا سبيل إليه؛ للاستقرار على ترك التعرض لما في الصحيحين، وإن خالف في ذلك الظاهرية من المغاربة، فإني رأيتهم يجسرون على أشياء من أحاديث الصحيحين بسبب كلام قيل: في بعض الرواة، ولا يجعلون راويها في حمى من تخريج صاحب الصحيح لهم. وأما الثاني: ففيه خروج عن المذهب المشهور في أن رواية المدلس محكوم عليها بالانقطاع حتّى يتبيّن السماع. وأما الثالث: وهو التفصيل بين ما في الصحيحين من ذلك وبين غيره فلا يظهر فيه وجه صحيح في الفرق، وغاية ما يوجه به أحد أمرين: أحدهما: أن يُدّعى أن تلك الأحاديث عرف صاحبا الصحيح صحة السماع فيها، وهذا إحالة على جهالة وإثبات للأمر بمجرد الاحتمال، وحكم على صاحب الصحيح بأنه يرى هذا المذهب أعني: أن رواية المدلس محمولة على الانقطاع، وإلاّ فيجوز أن يرى أنها محمولة على السماع حتّى يظهر الانقطاع، وإذا جاز وجاز فليس لنا الحكم عليه بأحد الجائزين مع الاحتمال. والثاني: أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الكتابين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكانت الأمة مجمعة على الخطأ، وهو ممتنع، وهذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه، وهذا فيه عسر، ونحن ما ادّعيناه وإنما ادّعينا أن الظنّ الثابت سبب الإطباق على التصحيح لما في الكتابين أقوى من الظن المقابل له، ويلزم مَن سلك هذه الطريق ألا يستدل بما جاء في رواية المدلّس من غير الصحيح، ولا يقول: ((هذا شرط مسلم))، فلنحتج به؛ لأن الإجماع الذي يُدّعى ليس موجوداً فيما لم خرّج في غير هذا الطريق، أعني: طريق القدح بسبب التدليس)). قال ابن حجر ٢/ ٦٣٦: ((وفي أسئلة الإمام تقي الدين السبكي للحافظ أبي الحجاج المزي: ((وسألته عن ما وقع في الصحيحين من حديث المدلّس معنعناً هل تقول: أنهما اطلعا على اتصالها؟ فقال: كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما، وإلاّ ففيهما أحاديث من رواية المدلّسين ما توجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح)). قلت: - القائل ابن حجر -: وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلّسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط. أما ما كان في المتابعات =