للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحْدَاهَا (١): عَدَالَةُ الرَّاوي تَارةً تَثْبُتُ بتَنصِيْصِ مُعدِّلَيْنِ عَلَى عَدَالَتِهِ، وتَارَةً تَثْبُتُ بالاسْتِفَاضَةِ (٢)، فَمَنِ اشْتَهَرتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أهلِ النَّقْلِ أو نَحْوِهِم مِنْ أهلِ العِلْمِ وشَاعَ الثَّنَاء عليهِ بالثِّقَةِ والأمانةِ اسْتُغْنِيَ فيهِ بذلكَ (٣) عَنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بعَدَالَتِهِ تَنْصِيْصاً.

وهَذَا هُوَ الصحيحُ في مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وعليهِ الاعتمادُ في فَنِّ أصُوْلِ الفِقْهِ. ومِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ أهلِ الحديثِ أبو بَكْرٍ الخطيبُ الحافظُ (٤)، ومَثَّلَ ذَلِكَ بمالِكٍ،

وشُعبةَ، والسُّفْيانَيْنِ، والأوْزَاعِيِّ، واللَّيْثِ، وابنِ المبارَكِ، ووكِيعٍ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، ويحيى بنِ مَعِينٍ، وعَلِيِّ بنِ المدِيْنِيِّ، ومَنْ جَرَى مَجْرَاهُم في نَبَاهَةِ الذِّكْرِ واستِقَامَةِ الأمرِ، فَلاَ يُسْألُ عَنْ عَدَالَةِ هَؤُلاَءِ وأمْثَالِهِمْ، وإنَّمَا يُسْألُ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ خَفِيَ أمرُهُ عَلَى الطَّالِبِيْنَ.

وتَوَسَّعَ ابنُ عَبْدِ البرِّ الحافِظُ في هذا فقالَ (٥): ((كُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ مَعْرُوفِ العِنايةِ بهِ، فَهوَ عَدْلٌ مَحْمُولٌ في أمْرِهِ أبَداً عَلَى العَدَالَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ جَرْحُهُ، لِقَولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَحْمِلُ هذا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُوْلُهُ)) (٦)، وفيما قَالَهُ اتِّسَاعٌ غَيْرُ


(١) في (ب) و (جـ): ((أحدها)).
(٢) انظر: نكت الزركشي ٣/ ٣٢٧.
(٣) في (جـ): ((لذلك)).
(٤) الكفاية: (١٤٧ ت، ٨٦ - ٨٧ هـ‍).
(٥) ينظر: التمهيد ١/ ٢٨، وجامع بيان العلم وفضله ٢/ ١٩٩.
(٦) هذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة - رضي الله عنهم - مرفوعاً، ومع ذلك فهو حديث ضعيف، وإليك البيان:
الأول: وهو أشهرها، روي من حديث إبراهيم بن عبد الرحمان العذري، ورواه عنه:
١ - الوليد بن مسلم، عنه، عن الثقة من أشياخه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البيهقي في الكبرى ١٠/ ٢٠٩، وابن عدي ١/ ٢٤٩، وابن عساكر ٧/ ٣٨، من طريقين صرّح الوليد في أحدهما بالتحديث، وكذا شيخه، وهذا الطريق معلٌّ بأمرين:
أولاً: جهالة العذري.
ثانياً: إبهام شيخه.
ولعل قائلاً يقول: شيخه يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلعله يكون صحابياً، فالجهالة لا تضرّ بحاله؟ =

<<  <   >  >>