للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذَلِكَ مُخالَفَتُهُ للحديثِ ليسَتْ قَدْحاً منهُ في صِحَّتِهِ ولاَ في راويهِ، واللهُ أعلمُ.

الثَّامِنَةُ: في روايةِ المجهُولِ، وهوَ في غَرَضِنا هَاهنا أقسَامٌ:

أحدُها: المجهُولُ العدالةِ مِنْ حيثُ الظَّاهِرُ والباطِنُ جميعاً، وروايتُهُ غيرُ مَقْبُولةٍ عِندَ الجماهِيْرِ عَلَى مَا نَبَّهْنا عليهِ أوَّلاً (١).

الثَّاني: المجْهُولُ الذي جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ البَاطِنَةُ، وهوَ عَدْلٌ في الظَّاهِرِ وهوَ المسْتُورُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أئِمَّتِنا (٢): المستُورُ مَنْ يَكونُ عَدْلاً في الظاهِرِ، ولاَ تُعْرَفُ عدَالَةُ باطِنِهِ. فهذا المجهُولُ يَحْتَجُّ بروايتِهِ بعضُ مَنْ رَدَّ روايةَ الأوَّلِ، وهوَ قَولُ بعضِ الشَّافِعِيَّيْنَ، وبهِ قَطَعَ منهُمُ الإمامُ سُلَيْمُ بنُ أيُّوبَ الرَّازيُّ، قالَ: ((لأنَّ أمرَ الأخبارِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بالرَّاوي؛ ولأنَّ روايةَ الأخبارِ تَكُونُ عندَ مَنْ يَتَعَذَّرُ عليهِ معرفَةُ العَدَالَةِ في الباطِنِ، فاقتُصِرَ


= وردّه تلميذه الزركشي في نكته ٣/ ٣٧٣، ومن ثم العراقي في التقييد: ١٤٤، فقال: ((وفي هذا النظر نظر؛ لأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثمت دليل آخر من قياس أو إجماع، ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها، ولعل له دليلاً آخر، واستأنس بالحديث الوارد في الباب، وربما كان المفتي، أو الحاكم يرى العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس، كما تقدم حكاية ذلك عن أبي داود)).
(١) ((لأن مجرد الرواية عنه لا تكون تعديلاً)). أفاده البقاعي. النكت الوفية: ٢١٥ / أ.
وقال البلقيني: ٢٢٥: ((أبو حنيفة يقبل مثل هذا)). وقال الزركشي ٣/ ٣٧٤: ((وظاهره حكاية خلاف فيه، وبه صرّح الخبازي من الحنفية، وإنما قَبِلَ أبو حنيفة ذلك في عصر التابعين لغلبة العدالة عليهم)). ونسبه ابن الموّاق إلى أكثر أهل الحديث كالبزّار والدارقطني، وقال الدارقطني: من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته. انظر: فتح المغيث ١/ ٣٥١.
وزاد ابن الملقن في المقنع ١/ ٢٥٦ أن قال: ((إن كان الراوي عنه لا يروي إلا عن عدلٍ قُبِلَ، وإلاّ فلا)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٤٢ - ٤٣.
(٢) قال الزركشي في نكته ٣/ ٣٧٤: ((وهذا الذي أبهم الظاهر أنه إمام الحرمين، فإنه فسّر المستور بأنه الذي لم يظهر منه نقيض العدالة، ولم يتفق البحث في الباطن عن عدالته)). وانظر: البرهان ١/ ٣٩٦.
لكن الحافظ العراقي جزم بأنه البغوي، فقال: ((هو أبو محمد اليغوي صاحب التهذيب، فهذا لفظه بحروفه)). التقييد والإيضاح: ١٤٥، وشرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٤٤، وانظر قول البغوي في: التهذيب في فقه الشافعي له ٥/ ٢٦٣.

<<  <   >  >>