للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصحيحُ ما عليهِ الجمهُورُ؛ لأنَّ المروِيَّ عنهُ بصَدَدِ السَّهْوِ والنِّسْيَانِ (١) والرَّاوي عنهُ ثقةٌ جازِمٌ فلاَ يُرَدُّ (٢) بالاحتمالِ روايتُهُ، ولهذا كانَ سُهَيْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبيْعَةُ عَنِّي عَنْ أبي، ويسُوقُ الحديثَ.

وَقَدْ رَوَى كَثيرٌ مِنَ الأكَابِرِ أحادِيْثَ نَسَوْها بعدَ ما حُدِّثُوا بها عَمَّنْ سَمِعَها منهُمْ، فكَانَ أحَدُهُمْ يقُولُ: حدَّثَنِي فلاَنٌ عَنِّي عَنْ فلانٍ بكذا وكذا. وجَمَعَ الحافِظُ الخطيبُ ذلكَ في كِتَابِ "أخْبَارِ مَنْ حَدَّثَ ونَسِيَ" (٣). ولأجْلِ أنَّ الإنْسانَ مُعَرَّضٌ للنِسْيانِ؛ كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنَ العُلَماءِ الروَايةَ عَنِ الأحْيَاءِ، منْهُمُ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه - قالَ لابنِ عَبدِ الحكمِ (٤):

((إيَّاكَ والروايةَ عَنِ الأحياءِ)) (٥)، واللهُ أعلمُ.

الثَّانيةَ عَشْرَةَ: مَنْ أخَذَ عَلَى التَّحدِيثِ (٦) أجْراً، منعَ ذلِكَ مِنْ قَبُولِ رِوايتِهِ عِنْدَ قومٍ مِنْ أئمَّةِ الحديثِ، رُوِّيْنا عَنْ إسْحاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابنُ رَاهَوَيْهِ (٧) - أنَّهُ سُئِلَ عَنِ المحدِّثِ يُحَدِّثُ بالأجْرِ؟ فقالَ: ((لاَ يُكْتَبُ عنهُ)) (٨).


(١) اعترض على ابن الصلاح بأن الراوي معرّض أيضاً لذلك، فينبغي أن يتساقطا، ويبقى النظر في أحدهما بمرجح خارجي.
فأجاب العراقي: بـ ((أن الراوي مثبت جازم، والمروي عنه ليس بنافٍ وقوعه، بل غير ذاكر، فقدم المثبت عليه)). التقييد: ١٥٤.
قلنا: وهذا الجواب هو فحوى كلام ابن الصلاح الآتي.
(٢) في (أ): ((ترد)).
(٣) وذكره الذهبي في السير ١٨/ ٢٩٠ باسم: " مَنْ حَدَّثَ ونَسِيَ "، وقد لَخَّصه السيوطي وسمّاه: " تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي ". قال الزركشي في نكته ٣/ ٤١٥: ((وقبله الدارقطني وضع فيه جزءاً)). وسمّى ابن حجر كتاب الدارقطني " مَنْ حدَّث ونسي ". نزهة النظر: ١٦٦.
(٤) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الحكم بن أعين المصري الفقيه، توفي سنة (٢٦٨ هـ‍). انظر: وفيات الأعيان ٤/ ١٩٣، والسير ١٢/ ٤٩٧، وميزان الاعتدال ٣/ ٦١١.
(٥) هو في المدخل للبيهقي كما ذكر غير واحد، ولم نعثر عليه في المطبوع فلعله مما نقص منه. وانظر: مناقب الشافعي له ٢/ ٣٨، والكفاية: (٢٢٢ ت، ١٣٩ هـ‍)، ونكت الزركشي ٣/ ٤١٦، والتقييد والإيضاح: ١٥٤ - ١٥٥.
(٦) في (جـ): ((الحديث)).
(٧) في (أ) و (ب): ((إسحاق بن إبراهيم)) فقط، وكذا في (ع) والتقييد، والمثبت من (جـ) ومحاسن الاصطلاح والشذا الفياح.
(٨) رواه الخطيب في الكفاية: (٢٤٠ ت، ١٥٣ - ١٥٤ هـ‍).

<<  <   >  >>