للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنْ أجازَ لِمَنْ شَاءَ الروايَةَ عنهُ فهذا أوْلَى بالجوَازِ (١) مِنْ حيثُ إنَّ مُقْتَضَى كُلِّ إجَازَةٍ تَفْوِيْضُ الروايةِ بها إلى مَشيئةِ الْمُجَازِ لهُ، فَكَانَ هذا مَعَ كَوْنِهِ بصِيْغَةِ التَّعْلِيقِ، تَصْرِيْحاً بما يَقْتَضِيْهِ الإطْلاَقُ، وحِكَايَةً للحالِ لاَ تَعْلِيقاً في الحقيقَةِ. ولِهَذَا أجازَ بَعْضُ أئِمَّةِ الشَّافِعيِّيْنَ في البيعِ أنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هذا بكَذا إنْ شِئْتَ، فيقولُ: قَبِلْتُ (٢). وَوُجِدَ بخَطِّ الشَّيْخِ أبي الفَتْحِ محمَّدِ بنِ الحسَيْنِ الأَزْدِيِّ الموْصِلِيِّ الحافِظِ: أجزْتُ رِوايةَ ذَلِكَ لِجَميعِ مَنْ أحَبَّ أنْ يَرْوِيَ ذَلِكَ (٣) عَنِّي. أمَّا إذا قالَ: أجزْتُ لفُلاَنٍ كَذا وكَذا إنْ شَاءَ روايتَهُ عَنِّي، أو لَكَ إنْ شِئْتَ، أوْ أحْبَبْتَ، أوْ أرَدْتَ، فالأظْهَرُ الأَقْوَى أنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ (٤)، إذْ قَدِ انْتَفَتْ فيهِ الجهَالَةُ وحقيقةُ التَّعليقِ، ولمْ يَبْقَ سِوَى صِيغَتِهِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.

النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ أنْوَاعِ الإجَازَةِ: الإجازَةُ للمَعْدُومِ، ولنذْكُرْ مَعَهُ (٥) الإجازةَ للطفْلِ الصغيرِ. هذا نوعٌ خاضَ فيهِ قومٌ مِنَ المتأخِّرِيْنَ واخْتلَفُوا في جَوازِهِ. ومِثَالُهُ أنْ يَقُولَ (٦): أجزْتُ لِمَنْ يُولَدُ لِفُلاَنٍ، فَإنْ عَطَفَ المعْدُومَ في ذلكَ علَى الموجودِ بأنْ قَالَ: أجَزْتُ لِفُلاَنٍ ومَنْ (٧) يُولَدُ لهُ أوْ أجَزْتُ لَكَ ولِوَلَدِكَ وعَقِبِكَ (٨) مَا تَنَاسَلُوا، كَان ذَلِكَ أقربَ إلى الجوَازِ مِنَ الأوَّلِ.


(١) انظر: التقييد: ١٨٥.
(٢) راجع: نكت الزركشي ٣/ ٥٢٢، والتقييد والإيضاح: ١٨٥، وشرح التبصرة والتذكرة ٢/ ١٤١، وقارن بـ: فتح العزيز ٨/ ١٠٥، والمجموع ٩/ ١٧٠، ومغني المحتاج ٢/ ٢٣٤.
(٣) لم ترد في (أ) و (ب).
(٤) قال الزركشي في نكته ٣/ ٥٢٢: ((هذا نظير مسألة البيع كما سبق، وبها يعتضد وجه الصحة هنا، وحكى ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول في هذه الحالة خلافاً، قال: فمنع منها قوم؛ لأنها تحتمل فيعتبر فيه تعيين المجمل -قال- وهذا هو الأخذ بالاحتياط، والأولى بنجابة المحدّث وحفظه))، وانظر: جامع الأصول١/ ٨٣.
(٥) في (م): ((معها)).
(٦) في (م): ((تقول)).
(٧) في (ع): ((ولمن))، وما أثبتناه من النسخ و (م).
(٨) في (ع): ((ولعقبك)).

<<  <   >  >>