للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجَازَ لجماعَةٍ مُسَمَّيْنَ مُعَيَّنِينَ بأنْسَابِهِمْ، والمجيزُ جاهِلٌ بأعْيَانِهِمْ غيرُ عارِفٍ بهِمْ فهذا غيرُ قادِحٍ، كما لاَ يَقْدَحُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ بهِ إذا حَضَرَ شَخْصُهُ في السَّمَاعِ منهُ، واللهُ أعلمُ.

وإنْ أجازَ لِلْمُسَمَّينَ (١) المنتَسِبينَ في الاسْتِجَازَةِ (٢)، ولَمْ يَعْرِفْهُمْ بأعْيَانِهِمْ ولاَ بأنْسَابِهِمْ، ولَمْ يَعْرِفْ عدَدَهُمْ ولَمْ يَتَصَفَّحْ أسْمَاءهُمْ واحِداً فَوَاحِداً، فينبَغِي أنْ يَصِحَّ ذَلِكَ أيْضاً، كما يَصِحُّ سَمَاعُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ للسَّماعِ منهُ، وإنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ أصْلاً ولَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ ولاَ تَصَفَّحَ أشْخَاصَهُمْ واحِداً واحِداً.

وإذا قَالَ: أجَزْتُ لِمَنْ يَشَاءُ فُلاَنٌ، أو نحوَ ذَلِكَ، فهَذا فيهِ جهالةٌ وتَعْلِيقٌ بشَرْطٍ، فالظَّاهِرُ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وبذَلِكَ أفْتَى القَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ إذْ سَأَلَهُ الخطِيْبُ الحافِظُ عَنْ ذَلِكَ، وعَلَّلَ بأنَّهُ إجَازَةٌ لمجْهُولٍ، فَهوَ كَقَوْلِهِ: أجَزْتُ لِبَعْضِ النَّاسِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيينٍ، وقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ أيضاً بما فيها مِنَ التَّعليقِ بالشَّرْطِ، فإنَّ مَا يَفْسُدُ (٣) بالجهالَةِ يَفْسُدُ (٤) بالتَّعليقِ، عَلَى مَا عُرِفَ عِنْدَ قَومٍ.

وحَكَى الخطيبُ عَنْ أبي يَعْلَى بنِ الفرَّاءِ الحنبَلِيِّ، وأبي الفَضْلِ بنِ عُمْرُوسٍ (٥) المالِكِيِّ: أنَّهُما أجَازَا ذَلِكَ، وهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ كَانُوا مَشَايِخَ مَذَاهِبِهِمْ ببَغَدَادَ إذْ ذَاكَ (٦). وهذهِ الجهالَةُ [الواقِعَةُ] (٧) تَرتَفِعُ في ثاني الحالِ عندَ وُجُودِ المشِيْئَةِ، بخلاَفِ الجهالَةِ الواقِعَةِ فيما إذا أجازَ لِبَعْضِ النَّاسِ. وإذا قالَ: أجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ فَهوَ كَما لَوْ قَالَ: أجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ فُلاَنٌ، بلْ هذهِ أكْثَرُ جَهَالَةً وانتِشَاراً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بمَشيئةِ مَنْ لاَ يُحْصَرُ عَدَدُهُمْ بخِلاَفِ تِلْكَ. ثُمَّ هذا فيما إذا أجازَ لِمَنْ شَاءَ الإجَازَةَ منهُ لهُ.


(١) في (أ) و (ب): ((المسلمين)).
(٢) في (م): ((الإجازة)).
(٣) في (م): ((يفسر)).
(٤) كذلك.
(٥) عُمْرُوْس: ضبطه السمعاني في الأنساب ٤/ ٢١٠ - بفتح العين، ومثله في فتح المغيث ٢/ ٨١ وفتح الباقي ٢/ ٧٠، وضبطه الفيروزآبادي بضمّها، ثمَّ قالَ: وفتحه من لحن الْمُحَدِّثين. انظر: القاموس المحيط مع شرحه تاج العروس ١٦/ ٢٨١، وراجع ترجمة ابن عمروس في سير أعلام النبلاء ١٨/ ٧٣.
(٦) الإجازة للمعدوم والمجهول: ٨١، وانظر: الإلماع: ١٠٢.
(٧) من نسخة (ب) فقط.

<<  <   >  >>