للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الإجازَةُ للمَعْدُومِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ عَلَى موجُودٍ، فقدْ أجَازَها الخطيبُ أبو بَكْرٍ الحافِظُ (١)، وذَكَرَ أنَّهُ سَمِعَ أبا يَعْلَى بنَ الفرَّاءِ الحنْبَليَّ، وأبا الفَضْلِ بنَ عُمْرُوْسٍ المالِكِيَّ يُجِيزانِ ذَلِكَ (٢). وحَكَى جَوازَ ذَلِكَ أيضاً أبو نَصْرِ بنُ الصَّبَّاغِ الفقيهُ (٣)، فقالَ: ((ذَهَبَ قومٌ إلى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُجِيزَ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ) قالَ: ((وهَذَا إنَّما ذهَبَ إليهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ الإجَازَةَ إذْنٌ في الروايَةِ، لاَ مُحَادَثَةٌ)). ثُمَّ بَيَّنَ بُطْلاَنَ هذهِ الإجازَةِ، وهوَ الذي اسْتَقَرَّ عليهِ رَأْيُ شيخِهِ القاضِي أبي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ الإمَامِ (٤)، وذلكَ هُوَ الصحيحُ الذي لاَ يَنْبَغِي غَيْرُهُ؛ لأنَّ الإجازَةَ في حُكْمِ الإخْبَارِ جُمْلَةً بالْمُجَازِ عَلَى مَا قَدَّمناهُ في بيانِ صِحَّةِ أصْلِ الإجَازَةِ، فكما لاَ يَصِحُّ الإخْبَارُ للْمَعْدُومِ لاَ تَصِحُّ الإجازةُ للمعدومِ. ولَوْ قَدَّرنا أنَّ الإجازةَ إذْنٌ فَلاَ يَصِحُّ أيضاً ذلكَ للمعدومِ، كما لاَ يَصِحُّ الإذْنُ في بابِ الوكَالَةِ للمعْدُومِ؛ لوقُوعِهِ في حالَةٍ لاَ يَصِحُّ فِيْهَا المأذُونُ فيهِ مِنَ المأْذُونِ لهُ.

وهَذَا أيضاً يُوجِبُ بُطْلاَنَ الإجَازَةِ للطِّفْلِ الصَّغِيْرِ الذي لاَ يَصِحُّ سَمَاعُهُ. قالَ الخطيبُ: ((سألْتُ القاضِي أبا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ عَنِ الإجَازَةِ للطِّفْلِ الصَّغِيْرِ هَلْ يُعْتَبَرُ في صِحَّتِها سِنُّهُ أوْ تَمْييزُهُ (٥)، كَمَا يُعْتَبَرُ ذلكَ في صِحَّةِ سَمَاعِهِ؟ فقالَ: لاَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لهُ: إنَّ بعضَ أصْحَابِنا قالَ: لاَ تَصِحُّ الإجَازَةُ لِمَنْ لاَ يَصِحُّ سَمَاعُهُ. فقَالَ: قَدْ يَصِحُّ أنْ


(١) الكفاية: (٤٦٦ ت، ٣٢٥ - ٣٢٦ هـ)، والإجازة للمعدوم والمجهول: ٨١.
(٢) الإجازة للمعدوم والمجهول: ٨١، والإلماع: ١٠٢.
(٣) انظر: البحر المحيط ٤/ ٤٠١.
(٤) الكفاية: (٤٦٦ ت، ٣٢٥ هـ)، والإجازة للمعدوم والمجهول: ٨٠.
(٥) قال الزركشي في نكته ٣/ ٥٢٣: ((وهذه المسألة منصوصة للشافعي فيما سبق عن الحافظ السِّلفي بسنده إلى الربيع أن الشافعي أتاه رجل يطلب الإجازة لابنه، فقال: كم لابنك؟ قال: ست سنين، قال: لا يجوز الإجازة له حتى يبلغ له سبع سنين.
قال ابن زبر: وهو مذهب في الإجازة، قال السلفي: والذي أدركنا عليه الشيوخ في البلاد والحفّاظ أن الإجازة تصح لمن يجاز له صغيراً كان أو كبيراً)).

<<  <   >  >>