للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُجِيْزَ للغائِبِ عنهُ، ولاَ يَصِحُّ السَّماعُ لهُ)) (١). واحْتَجَّ الخطِيبُ لِصَحَّتِها للطِّفْلِ بأنَّ الإجَازَةَ إنَّما هيَ إباحَةُ الْمُجِيْزِ للْمُجَازِ لهُ أنْ يَرْوِيَ عنهُ، والإباحَةُ تَصِحُّ للعاقِلِ وغيرِ العاقِلِ (٢).

قَالَ: وعَلَى هذا رأيْنا كَافَّةَ شُيُوخِنا يُجِيزُونَ للأطْفَالِ الغُيَّبِ عَنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَسْألُوا عَنْ مَبْلَغِ أسْنَانِهِمْ وحالِ تَمْييزِهِمْ، ولَمْ نَرَهُمْ أجَازُوا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلوداً في الحالِ (٣).

قُلْتُ (٤): كأنَّهُمْ رَأَوا الطِّفْلَ أهْلاً لِتَحَمُّلِ هذا النَّوْعِ مِنْ أنواعِ تَحَمُّلِ الحديثِ؛ لِيُؤَدِّيَ بهِ بَعْدَ حُصُولِ أهْلِيَّتِهِ، حِرْصاً عَلَى توسِيْعِ السبيلِ إلى بقاءِ الإسْنادِ الذي اخْتَصَّتْ بهِ هذهِ الأُمَّةُ، وتَقْريبِهِ (٥) مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، واللهُ أعْلَمُ (٦).

النَّوْعُ السَّادِسُ مِنْ أنواعِ الإجَازَةِ: إجازةُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُجِيْزُ ولَمْ يَتَحَمَّلْهُ أصْلاً بَعْدُ لِيَرْوِيَهُ المجازُ لهُ إذا تَحَمَّلَهُ المجيزُ بعدَ ذلكَ. أخْبَرَنِي مَنْ أُخْبِرَ عَنِ القَاضِي عِياضِ بنِ مُوْسَى - مِنْ فُضَلاَءِ وَقْتِهِ بالمَغْرِبِ -، قَالَ: ((هذا لَمْ أرَ مَنْ تَكَلَّمَ عليهِ مِنَ المشَايخِ، ورأَيتُ بعضَ المتأخِّرِينَ والعَصْرِيِّينِ يَصْنَعُونَهُ)) (٧)، ثُمَّ حَكَى عَنْ أبي الوليدِ يونُسَ بنِ مُغِيثٍ (٨) قَاضِي قُرْطُبَةَ أنَّهُ سُئِلَ الإجازَةَ لِجَمِيْعِ (٩) مَا رواهُ إلى تاريخِها وما يَرويهِ بعدُ، فامْتَنَعَ مِنْ ذلكَ. فَغَضِبَ السَّائلُ، فَقَالَ لهُ بعضُ أصْحابِهِ: يَا هذا يُعْطِيكَ مَا لَمْ يأْخُذْهُ، هذا مُحَالٌ؟ قَالَ عِيَاضٌ: ((وهذَا هُوَ الصَّحِيحُ)) (١٠).


(١) الكفاية: (٤٦٦ ت، ٣٢٥ هـ).
(٢) المصدر السابق.
(٣) الكفاية: (٤٦٦ ت، ٣٢٦ هـ).
(٤) في (م): ((قال المملي أبقاه الله)).
(٥) في الشذا: ((وتقربة)).
(٦) قوله: ((والله أعلم)) من (جـ) و (م).
(٧) الإلماع: ١٠٦.
(٨) ترجمته في السِّيَر ١٧/ ٥٦٩.
(٩) في (ع): ((بجميع))، وما أثبتناه من (ب) و (جـ) و (م).
(١٠) الإلماع: ١٠٦.

<<  <   >  >>