للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والْحَرْثِ، يُقَالُ منهُ: اسْتَجَزْتُ فُلاَناً فَأَجَازَنِي (١) إذا أسْقَاكَ ماءً لأرْضِكَ أوْ مَاشِيَتِكَ، كذلكَ طَالِبُ العِلْمِ يَسأَلُ العالِمَ أنْ يُجِيزَهُ عِلْمَهُ فيُجِيزَهُ إيَّاهُ)) (٢).

قُلْتُ: فَلِلْمُجِيزِ - عَلَى هذا - أنْ يَقولَ: أجَزْتُ فُلاَناً مَسْمُوعَاتِي أو مَرْوِيَّاتِي، فَيُعَدِّيهِ بغيرِ حَرْفِ جَرٍّ، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلى ذِكْرِ لَفْظِ الروايةِ أو نَحْوِ ذلكَ. ويَحْتاجُ إلى ذلكَ مَنْ يَجْعَلُ الإجازَةَ بمعْنَى التَّسْويغِ، والإذْنِ، والإبَاحَةِ، وذلكَ هُوَ المعروفُ، فيقولُ: أجزْتُ لفُلاَنٍ روايَةَ مَسْمُوعَاتِي مَثَلاً، ومَنْ يَقُولُ منهُمْ: أجزْتُ لهُ مَسْمُوعَاتِي، فَعَلَى سَبيلِ الحذْفِ (٣) الذي لاَ يَخْفَى نَظِيرُهُ، واللهُ أعلمُ.

الثَّاني: إنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الإجَازةُ إذا كَانَ المجيزُ عالِماً بما يُجِيْزُ (٤)، والمجازُ لهُ مِنْ

أهلِ العِلْمِ؛ لأنَّها تَوَسُّعٌ (٥) وتَرْخِيصٌ يَتَأَهَّلُ لَهُ أهْلُ العِلْمِ لِمَسِيْسِ حاجَتِهِمْ إليها، وبَالَغَ بعضُهُمْ في ذَلكَ فجعَلَهُ شَرطاً فِيْهَا. وحَكَاهُ أبو العبَّاسِ الوليدِ بنُ بَكْرٍ المالِكِيُّ عَنْ

مالِكٍ - رضي الله عنه - (٦). وقالَ الحافِظُ أبو عُمَرَ: ((الصحيحُ أنَّهَا لاَ تَجُوزُ إلاَّ لِمَاهِرٍ بالصِّناعَةِ، وفي شيءٍ مُعَيَّنٍ لاَ يُشْكِلُ إسْنَادُهُ)) (٧)، واللهُ أعلمُ.

الثَّالِثُ: يَنْبَغِي للْمُجِيْزِ إذا كَتَبَ إجَازَتَهُ أنْ يَتَلَفَّظَ بها (٨)، فَإنِ اقْتَصَرَ عَلَى الكِتَابةِ كَانَ ذلكَ إجَازَةً جَائِزَةً إذا اقتَرَنَ بقَصْدِ الإجَازَةِ، غيرَ أنَّها أنْقَصُ مَرْتَبَةً مِنَ الإجَازَةِ


(١) في التقييد: ((فأجاز لي)).
(٢) هو بهذا السياق في كتابه "مآخذ العلم" كما أشار إلى ذلك الزركشي ٣/ ٥٢٧، والسخاوي في فتح المغيث ٢/ ٩٥، وهو أيضاً بحروفه إلى قوله: ((أو ماشيتك)) في مقاييس اللغة ١/ ٤٩٤، وانظر: مجمل اللغة ١/ ٢٠٢، له أيضاً مادة (جوز)، وقد أسنده عنه الخطيب بتمامه في الكفاية: (٤٤٦ ت، ٣١١ هـ)، وانظر: النكت الوفية ٢٦٠ / ب.
(٣) قوله: ((على سبيل الحذف))، يريد به أنه على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وأصل العبارة: أجزت له رواية مسموعاتي، كما في حاشية توضيح الأفكار ٢/ ٣١١.
(٤) انظر: نكت الزركشي ٣/ ٥٢٩ - ٥٣١.
(٥) في الشذا: ((توسيع)).
(٦) الكفاية: (٤٥٥ ت، ٣١٧ هـ)، والإلماع: ٩٤ - ٩٥.
(٧) جامع بيان العلم وفضله ٢/ ١٨٠، وينظر: الإلماع ٩٥ - ٩٦.
(٨) نقل الزركشي في نكته ٣/ ٥٣١ عن ابن أبي الدم قوله: يعضد هذا أنه قال: تقوم الأفعال مقام الأقوال في نقل الملك، على تصحيح المعاطاة)).

<<  <   >  >>