للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا الأوَّلُ: وهوَ ما إذِ اقْتَصَرَ عَلَى المكاتَبَةِ فقَدْ أجَازَ الروايةَ بها كثيرٌ مِنَ المتَقَدِّمِينَ والمتَأَخِّرينَ، مِنْهُمْ: أيُّوبُ السِّخْتيانِيُّ (١)، ومَنْصُورٌ (٢)، واللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ (٣)، وقَالَهُ غيرُ واحِدٍ مِنَ الشَّافِعِيِّينَ (٤)، وجَعَلَها أبو الْمُظَفَّرِ السَّمْعانِيُّ -مِنْهُمْ- أَقْوَى مِنَ الإجَازةِ (٥)، وإليهِ صارَ غيرُ واحدٍ مِنَ الأًصُوليِّيْنَ (٦). وأبَى ذلكَ قومٌ آخَرُونَ (٧)، وإليهِ صَارَ مِنَ الشَّافِعِيِّيْنَ القَاضِي الماوَرْدِيُّ، وقَطَعَ بهِ في كِتَابِهِ "الحاوي" (٨). والْمَذْهَبُ الأوَّلُ هُوَ الصحيحُ (٩) المشهُورُ بينَ أهلِ الحديثِ، وكَثِيْراً مَا يُوجَدُ في مَسَانِيْدِهِمْ ومُصَنَّفَاتِهِمْ قَوْلُهُمْ: ((كَتَبَ إليَّ فُلاَنٌ: قَالَ حَدَّثَنا فُلاَنٌ))، والمرادُ بهِ هذا. وذَلكَ مَعْمُولٌ بهِ عِنْدَهُمْ مَعْدُودٌ في المسنَدِ الموصولِ. وفيها إشعَارٌ قويٌّ بمعْنَى الإجَازَةِ، فَهِيَ وإنْ لَمْ تَقْتَرِنْ (١٠) بالإجَازَةِ لَفظاً فَقَدْ تَضَمَّنَتِ الإجَازَةَ مَعْنًى ثُمَّ يَكْفِي في ذلكَ أنْ يَعْرِفَ المكتُوبُ إليهِ خَطَّ الكَاتِبِ وإنْ لَمْ تَقُمِ البَيِّنَةُ عليهِ (١١). ومِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: ((الخَطُّ يُشْبِهُ الخَطَّ فَلاَ يَجُوزُ الاعْتِمادُ عَلَى ذلكَ)) (١٢). وهذا غيرُ مَرْضِيٍّ؛ لأنَّ ذلكَ نادِرٌ، والظَّاهِرُ أنَّ خَطَّ الإنْسَانِ لاَ يَشْتَبِهُ بغَيْرِهِ ولاَ يَقَعُ فيهِ إلْبَاسٌ.


(١) نقله عنه الخطيب في الكفاية: (٤٨١ ت، ٣٣٧ هـ) و (٤٩٠ ت، ٣٤٣ - ٣٤٤ هـ)، والقاضي عياض في الإلماع: ٨٥.
(٢) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (٤٨١ ت، ٣٣٧ هـ) و (٤٩٠ ت، ٣٤٣ - ٣٤٤ هـ)، والقاضي عياض في الإلماع: ٨٥.
(٣) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (٤٩٠ - ٤٩١ ت، ٣٤٤ هـ).
(٤) منهم: الحسين بن إسماعيل المحاملي. الإلماع: ٨٤.
(٥) قواطع الأدلة ١/ ٣٣٠.
(٦) منهم: الرازي. انظر: المحصول٢/ ١/٦٤٥، وأبو حامد الإسفراييني والمحاملي. انظر: نكت الزركشي ٣/ ٥٤٥.
(٧) منهم الغزالي في المستصفى ١/ ١٦٦، والآمدي في الإحكام ٢/ ٩٢.
(٨) ٢٠/ ١٤٧.
(٩) انظر: الكفاية: (٤٨٩ ت، ٣٤٣ هـ)، والإلماع: ٨٥.
(١٠) في (ب) و (جـ): ((يقترن)).
(١١) قال البقاعي في النكت الوفية ٢٦٩ / أ: ((أي: بشهادة اثنين أنهما رأياه يكتب ذلك فتكون شهادة على الفعل لا بالتخمين، بأنَّ هذا يشبه خطّه، فهو هو؛ لأنه يبعد كل البعد أن يوجد خطّ غير خطّه يحاكيه محاكاة يبعد معها التمييز)).
(١٢) قاله الغزالي، ينظر: المستصفى ١/ ١٦٦، والبحر المحيط ٤/ ٤٩٢.

<<  <   >  >>