للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأَذِنَ في كِتَابَتِهِ حِيْنَ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ. وأخْبَرَنا أبو الفَتْحِ ابنُ عبدِ الْمُنْعِمِ الفُرَاوِيُّ (١) قِرَاءةً عليهِ بنيْسَابُورَ - جَبَرَها اللهُ -، قَالَ: أخْبَرَنا أبو الْمَعَالِي الفَارِسِيُّ، قَالَ: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، قَالَ: أخْبَرَنا أبو الْحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أخْبَرَنا أبو عَمْرِو بنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنا حَنْبَلُ بنُ إسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بنُ أحمدَ، قَالَ: حَدَّثَنا الوليدُ - هوَ ابنُ مُسْلِمٍ -، قَالَ: كَانَ الأوزاعِيُّ يَقُولُ: ((كَانَ هذا العِلْمُ كَرِيْماً يَتَلاَقَاهُ الرِّجَالُ بَينَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ في الكُتُبِ دَخَلَ فيهِ غيرُ أهْلِهِ)) (٢). ثُمَّ إنَّهُ زَالَ ذلكَ الخِلاَفُ وأجْمَعَ المسْلِمُونَ عَلَى تَسْوِيْغِ (٣) ذلكَ وإباحَتِهِ، ولَوْلاَ تَدْوِيْنُهُ في الكُتُبِ لَدَرَسَ في الأعْصُرِ الآخِرَةِ، واللهُ أعلمُ.

ثُمَّ إنَّ عَلَى كَتَبَةِ الحديثِ وطَلَبَتِهِ صَرْفَ الهِمَّةِ إلى ضَبْطِ مَا يَكْتُبُونَهُ أوْ يُحَصِّلُونَهُ بخَطِّ الغَيْرِ (٤) مِنْ مَرْوِيَّاتِهِمْ عَلَى الوجْهِ الذي رَوَوْهُ شَكْلاً ونَقْطاً يُؤْمَنُ مَعَهُما الالتباسُ، وكَثِيراً ما يَتَهَاوَنُ بذلكَ الواثِقُ بذِهْنِهِ وتَيَقُّظِهِ وذلكَ وَخِيْمُ العاقِبَةِ، فإنَّ الإنْسَانَ مُعَرَّضٌ للنِّسْيانِ، وأوَّلُ ناسٍ أوَّلُ الناسِ (٥)، وإعْجَامُ المكتوبِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْجَامِهِ، وشَكْلُهُ يَمْنَعُ مِنْ إشْكَالِهِ، ثُمَّ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَتَعَنَّى بتَقْييدِ الواضِحِ الذي لاَ يَكَادُ يَلْتَبِسُ (٦). وقَدْ


(١) هذه النسبة إلى فراوة، وهي بليدة مما يلي خوارزم، وضبطها بعضهم: بضم الفاء، وبعضهم بفتحها. انظر: الأنساب ٤/ ٦١٥، ووفيات الأعيان ٤/ ٢٩١، وتبصير المنتبه ٣/ ١١٠٠، ومعجم البلدان ٤/ ٢٤٥.
(٢) أخرجه من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي الخطيب في تقييد العلم: ٦٤، وابن عبد البر في بيان العلم ١/ ٦٨. وأخرجه الدارمي (٤٧٣) من طريق ابن المبارك، عن الأوزاعي. وانظر: محاسن الاصطلاح: ٣٠٢.
(٣) في (م): ((توسيع)).
(٤) قال الزركشي في نكته ٣/ ٥٦٨: ((قد استنكر بعض أهل اللغة إدخال الألف واللام على (غير) ... )). قلنا: انظر بيان ذلك في تهذيب الأسماء واللغات ٣/ ٦٥، والتاج ١٣/ ٢٨٥.
(٥) إشارة إلى عجز بيت لأبي الفتح البستي، أوله:
نَسِيْتُ وَعْدَكَ، والنِّسْيانُ مُغْتَفَرٌ ... فَاغْفِرْ فَأَوَّلُ نَاسٍ أوَّلُ الناسِ
الغيث المسجم في شرح لامية العجم للصفدي ٢/ ٢٠٨، وانظر: نكت الزَّرْكَشِيّ ٣/ ٥٦٥، وفتح المغيث ٢/ ١٤٨.
(٦) قال العراقي في التقييد: ٢٠٥: ((اقتصر المصنف على ذكر كتابة اللفظة المشكلة في الحاشية مفردة مضبوطة، ولم يتعرض لتقطيع حروفها، وهو متداول بين أهل الضبط، وفائدته ظهور شكل الحرف بكتابته مفرداً، كالنون، والياء إذا وقعت في أول الكلمة، أو في وسطها. ونقله ابن دقيق العيد في الاقتراح (٢٨٦) عن أهل الإتقان)).

<<  <   >  >>