للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثِّقَةُ، قالَ نحواً مِنْ ذَلِكَ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ (١)، ثُمَّ الخطيبُ أبو بكرٍ (٢). قالَ الخطيبُ:

((وكانَ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ (٣) في مثلِ هذا رُبَّما أسْقَطَ المجروحَ مِنَ الإسْنادِ ويَذْكُرُ الثِّقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: ((وآخرُ)) كِنايَةً عَنِ المجروحِ)). قالَ: ((وهذا القولُ لا فائدةَ فيهِ)) (٤).

قلتُ: وهكذا يَنْبَغِي إذا كانَ الحديثُ عَنْ رَجلَينِ ثِقَتَيْنِ ألاَّ يُسْقِطَ أحدَهُما منهُ؛ لِتَطَرُّقِ مثلِ الاحْتِمالِ المذكورِ إليهِ، وإنْ كانَ محذورُ الإسْقاطِ فيهِ أقَلَّ، ثُمَّ لاَ يَمتنعُ ذَلِكَ في الصورتينِ امْتِناعَ تحريمٍ؛ لأنَّ الظاهِرَ اتِّفَاقُ الروايتينِ (٥)، وما ذُكِرَ مِنَ الاحْتِمالِ نادِرٌ بعيدٌ فإنَّهُ مِنَ الإدْراجِ الذي لا يجوزُ تَعَمُّدُهُ كما سَبَقَ في نوعِ المدرجِ، واللهُ أعلمُ.

الحادي والعِشْرونَ: إذا سَمِعَ بَعْضَ حديثٍ مِنْ شيخٍ، وَبَعْضَهُ مِنْ شيخٍ آخرَ فَخَلَطَهُ ولَمْ يُمَيِّزْهُ وعَزَى الحديثَ جُملةً إليهِما مُبَيِّناً أنَّ عَنْ أحدِهِما بعضَهُ، وعَنِ الآخَرِ بَعْضَهُ فذلكَ جائِزٌ كما فعلَ الزُّهْرِيُّ (٦) في حديِ الإفْكِ حيثُ رواهُ عَنْ عُرْوَةَ، وابنِ الْمُسَيِّبِ، وعلقمةَ بنِ وقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وعُبَيْدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ، عَنْ عائِشَةَ

- رَضِيَ اللهُ عَنْها - وقالَ: ((وكُلُّهُمْ حَدَّثَني طائفةً مِنْ حديثِها قالوا: قالتْ: ... الحديثَ (٧). ثُمَّ إنَّهُ ما مِنْ شيءٍ مِنْ ذَلِكَ الحديثِ إلاَّ وهوَ في الحكْمِ كأنَّهُ رواهُ عَنْ أحَدِ الرجلَينِ عَلَى الإبهامِ، حتَّى إذا كانَ أحدُهُما مجروحاً لَمْ يَجُزْ الاحْتِجاجُ بشيءٍ من ذَلِكَ الحديثِ، وغيرُ جائِزٍ لأحَدٍ بعدَ اخْتِلاطِ ذَلِكَ، أنْ يُسْقِطَ ذِكْرَ أحَدِ الراويَينِ (٨) ويَرْويَ


(١) الكفاية: (٥٣٧ ت، ٣٧٨ هـ‍).
(٢) انظر: الكفاية (٥٣٧ - ٥٣٨ ت، ٣٧٧ - ٣٧٨ هـ‍).
(٣) وكذلك صنع الإمام البخَاري والنسائي، انظر: تهذيب الكمال ٤/ ٢٥٥ - ٢٥٦ ترجمة عبد الله بن لهيعة.
(٤) الكفاية: (٣٧٨ هـ‍، ٥٣٧ ت)، قلنا: وقد تعقبه الزركشي في نكته ٣/ ٦٣٤ فقالَ: ((بل له فائدةٌ وهو الإعلام بأنه رواه عن رجلين، وأن المذكور لم ينفرد، وفيه تتبع الطرق)). وانظر: محاسن الاصطلاح: ٢٥٧.
(٥) في (أ) و (ب) والشذا والتقييد: ((الراويين)).
(٦) قال الزركشي في نكته ٣/ ٦٣٥: ((ما ذكره في حديث الإفك قد تقدم أن الزُّهْرِيّ قال فيه - بعد أن ذكر ما ذكر: الذي حَدَّثَني عروة عن عائشة. وساقه من طريق عروة -، وقد تقدم مافيه)).
(٧) صحيح البخاري ٣/ ٢١٩ و ٤/ ٤٠ و ٥/ ١١٠ و ١٤٨ و ٦/ ٩٥ و ٩٦ و ٨/ ١١٢ و ١١٨ و ١٦٨ و ١٧٢ و ٩/ ١٣٩ و ١٧٦.
(٨) في (جـ): ((الرِّوَايَتَيْنِ)).

<<  <   >  >>