للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذهِ الكُتُبُ الثلاثَةُ أُمَّهاتُ الكُتُبِ المؤَلَّفَةِ في ذَلِكَ (١). وورَاءها مَجامِعُ تَشتملُ من ذَلِكَ عَلَى زوائدَ وفوائدَ كثيرةٍ ولا يَنبغي أنْ يُقَلِّدَ منها إلاَّ ما كانَ مُصَنِّفُوها أئِمَّةً جِلَّةً.

وأَقْوَى ما يُعْتَمدُ عليهِ في تفسيرِ غريبِ الحديثِ: أنْ يُظْفَرَ بهِ مُفَسَّراً في بعضِ رِواياتِ الحديثِ، نحوُ ما رُوِيَ في حديثِ ابنِ صَيَّادٍ (٢) أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُ: ((قَدْ خَبَأْتُ لكَ (٣) خَبِيئاً، فما هوَ؟ قالَ: الدُّخُّ)) (٤). فهذا خَفِيَ مَعْناهُ وأعضَلَ. وفَسَّرَهُ قومٌ بِمَا لا يَصِحُّ. وفي "معرفةِ علومِ الحديثِ" للحاكِمِ أنَّهُ الدُّخُّ بمعنى الزَّخِّ (٥) الَّذِي هوَ الجِماعُ (٦)، وهذا تَخْلِيطٌ فاحِشٌ يُغِيْظُ العَالِمَ والمؤمِنَ (٧) وإنَّما مَعْنى الحديثِ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُ: قدْ أضْمَرْتُ لكَ ضَمِيراً، فما هوَ؟ فقالَ الدُّخُّ -بضمِّ الدالِ (٨) - يَعْنِي: الدُّخَانَ، والدُّخُّ: هوَ الدُّخَانُ في لُغَةٍ (٩)، إذْ في بعضِ رواياتِ الحديثِ ما نَصُّهُ: ثُمَّ قالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

((إنِّي قَدْ خَبَأْتُ لكَ خَبِيئاً، وخَبَأَ لهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِيْنٍ} (١٠). فقالَ ابن صَيَّادٍ: هوَ الدُّخُّ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ)). وهذا ثابتٌ


(١) وهذه الأمهات مطبوعة متداولة.
(٢) ويقال له: ((ابن صائد)) أيضاً. انظر: الإصابة ٣/ ١٣٣.
(٣) في (م): ((خبيئاً لك)).
(٤) صحيح البخاري ٨/ ٤٩ (١٣٥٤) و (١٣٥٥)، وصحيح مسلم ٨/ ١٨٩ (٢٩٣٠) من حديث ابن عمر.
(٥) في (م): ((الذخ)) بالذال المعجمة.
(٦) هو في مخطوطة معرفة علوم الحديث للحاكم (الورقة: ٨٢) من نسحتنا الخطية الخاصة، وقد سقط من موضعه في المطبوعة: ٩١. وكثرة هذه السقوطات في هذا الكتاب جعلتنا نأخذ عَلَى عاتقنا إعادة طبعه محقّقاً تحقيقاً علمياً رصيناً رضياً - يسّر الله إتمامه وطبعه -.
(٧) انظر: تعقّب الحافظ العراقي عَلَى الحاكم في شرح التبصرة ٢/ ٤٠٤، وانظر: تاج العروس ٧/ ٢٤٩.
(٨) وبفتحهما أيضاً. انظر: النهاية ٢/ ١٠٧، واللسان ٣/ ١٤، والتاج ٧/ ٢٤٨.
(٩) انظر: الصحاح ١/ ٤٢٠، والمقاييس ٢/ ٢٦٦.
(١٠) الدخان: ١٠.

<<  <   >  >>