للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حالِ مَنْ يُعَدُّ ما ينفرِدُ بهِ مِنْ حديثِهِ مُنكراً، ويُعْتَبَرُ في كلِّ هذا معَ سلامةِ الحديثِ مِنْ أنْ يكونَ شاذّاً ومُنكَراً (١): سلاَمَتُهُ مِنْ أنْ يكونَ معلَّلاً. وعلى القسمِ الثاني يتَنَزَّلُ كلامُ الخطَّابيِّ.

فهذا الذي ذكرناهُ جامعٌ لِمَا تفرَّقَ في كلامِ مَنْ بَلَغنا كلامُهُ في ذلكَ (٢)، وكأنَّ الترمذيَّ ذَكَرَ أحدَ نَوْعَيِ الحسَنِ، وذَكَرَ الخطَّابيُّ النوعَ الآخرَ، مُقْتصِراً كلُّ واحدٍ منهما على ما رأى أنَّهُ يُشْكِلُ، مُعْرِضاً عمَّا رأى أنَّهُ لا يُشْكِلُ أو أنَّهُ غَفَلَ عَنْ البعضِ وذهلَ (٣)، واللهً أعلمُ، هذا تأصيلُ ذلكَ، ونُوضِحُهُ بتنبيهاتٍ وتفريعاتٍ:


(١) في (ب): ((أو منكراً)).
(٢) قال محقق شرح السيوطي: ١٢٨ - ١٢٩: ((عرَّفه البدر ابن جماعة - ورجَّحه اللكنوي - بأنه: ((كل حديث خالٍ عن العلل، وفي سنده المتصل مستور له به شاهد، أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان)). وقد انتقد ابن حجر هذا التعريف بوجوه واردة عليه.
والحقيقة: أن الحديث الحسن درجة وسطى بين الصحيح والضعيف؛ ولهذا تضاربت الأقوال في تعريفه. ونصَّ غير واحد عَلَى تعسّر حده، فقال ابن دقيق العيد: ((وفي تحقيق معناه اضطراب)). وعلّل ذَلِكَ ابن كثير فقال: ((وذلك لأنه أمر نسبي، شيء ينقدح عِنْدَ الحافظ، ربما تقصر عبارته عنه)). وقال البلقيني: ((لما توسط بَيْنَ الصحيح والضعيف عِنْدَ الناظر؛ كان شيئاً ينقدح في نفس الحافظ قد تقصر عبارته عنه، كما قيل في الاستحسان، فلذلك صعب تعريفه)). ولعلَّ رسم ابن حجر للحديث الحسن كان أنسب من غيره، فإنه قال: ((وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند غير معلّل ولا شاذّ: هو الصحيح لذاته ... )) ثمّ قال: ((فإن خفَّ الضبط فالحسن لذاته)). فهذا ما مشى عليه علماء المصطلح، وإن نبَّه السخاوي على أن خفة الضبط في تعريف ابن حجر غير منضبطة بضابط، ولكن يمكن أن يقال: إن مراد الحافظ خفة ضبط معلومة لمن مارس هذا الفن وداخل كيانه، واعتاد أقوال أئمته، فعرف أصحاب الضبط التام ومن في حفظه شيء ومن هو سيء الحفظ. ونحن نقرُّ أن هناك بعض الجزئيات لا تدخل في رسم ابن حجر للحديث الحسن، وهو مصداق لقول الإمام الذهبي - وهو من أهل الاستقراء التام كما يقول ابن حجر-: ((ثمَّ لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك)).
ثُمَّ إنَّ الحسن مراتب -كما أن الصحيح مراتب- وبعضها أقوى في نفس الناقد من بعض. انظر: الاقتراح: ١٦٢، المنهل الروي: ٣٦، الموقظة: ٢٨، اختصار علوم الحَدِيْث: ٣٧، شرح علل التِّرْمِذِي: ٢٨٧ - ٢٨٩، محاسن الاصطلاح: ١٠٥، النكت على كتاب ابن الصلاح ١/ ٤٦ نزهة النظر: ٨٢، ٩١، فتح المغيث ١/ ٦٦، ظفر الأماني: ١٨٦، ماهية الحَدِيْث الحَسَن: ١٠، والتعليق على شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٧٧ - ١٨٠.
(٣) من ينعم النظر في تعريفي الترمذي والخطابي، يجد بينهما بوناً شاسعاً، منشؤه اختلاف القصد من إيراد التعريف، فالخطابي قصد تعريف الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث، فعرَّف الصحيح والضعيف إضافة إلى الحسن، وإنما لم يعرّف حديث المستور إذا اعتضدت روايته من غير وجه؛ لأنه داخل عنده ضمن الحَسَن. وإذا لَمْ تعتضد فهي عنده من الضَّعِيف، إذ أطلق القَوْل بردِّ رِوَايَة المجهول، والمستور قِسْم من المجهول. =

<<  <   >  >>