للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثامِنُ: في قولِ الترمذيِّ وغيرِهِ: ((هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)) (١) إشكالٌ؛ لأنَّ الْحَسَنَ قاصِرٌ عَنِ الصحيحِ كما سبقَ إيضاحُهُ، ففي الْجَمْعِ بينهما في حديثٍ واحدٍ جَمْعٌ بينَ نَفْيِ ذلكَ القصورِ وإثباتِهِ؟! وجوابُهُ: أنَّ ذلكَ راجعٌ إلى الإسنادِ، فإذا رُويَ الحديثُ الواحدُ بإسنادينِ، أحدُهما إسنادٌ حَسَنٌ والآخرُ إسنادٌ صحيحٌ، استقامَ أنْ يقالَ فيهِ: إنَّهُ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، أي (٢) إنَّهُ حسَنٌ بالنسبةِ إلى إسنادٍ صحيحٌ بالنسبةِ إلى إسنادٍ آخرَ. على أنَّهُ غيرُ مُسْتَنكَرٍ أنْ يكونَ بعضُ مَنْ قالَ ذلكَ، أرادَ بالحسنِ معناهُ اللغويَّ، وهو ما تَمِيلُ إليهِ النَّفْسُ ولا يأباهُ القلبُ، دونَ المعنى الاصطلاحيِّ الذي نحنُ بصَدَدِهِ، فاعلمْ ذلكَ، واللهُ أعلمُ.

التاسعُ: مِنْ أهلِ الحديثِ مَنْ لا يُفردُ نوعَ الحسَنِ ويجْعَلُهُ مُندرِجاً في أنواعِ الصحيحِ؛ لاندراجِهِ في أنواعِ مَا يُحتجُّ بهِ (٣)، وَهُوَ الظاهرُ مِنْ كلامِ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ


= ولكن الحافظ ابن حجر اختار أن التلازم بين الحكم بصحة الإسناد وصحة المتن أغلبي، وما ندّ عن هذه القاعدة قليل لا يصلح التعويل عليه، فضلاً عن تأسيس قاعدة عليه، فقال: ((لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح، فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم له بالصحة؟)).
ومن ثَمَّ فرَّقَ بين حكم الحافظ المعتمد وغير المعتمد، وبين مَن عرف من حالة التفريق في الحكم بين السند والمتن وبين مَن لم يعرف عنه ذلك. النكت ١/ ٤٧٤.
(١) للعلماء في هذه المسألة أجوبة واعتراضات ومناقشات. انظر: الاقتراح: ١٧٤، ونكت الزركشي ١/ ٣٦٨، ومحاسن الاصطلاح: ١١٤، والتقييد والإيضاح: ٥٨، ونكت ابن حجر١/ ٤٧٥، والبحر الذي زخر٣/ ١٢٠٩.
(٢) عبارة: ((أن يقال فيه: أنه حديث حسن صحيح، أي)) ليست في (جـ).
(٣) بل قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: ((قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي، ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله)). ثم قال: ((وأمَّا مَنْ قبل الترمذي من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان: ضعيف ضعفاً لا يمتنع العمل به، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي، وضعيف ضعفاً يوجب تركه وهو الواهي)). مجموع الفتاوى ١٨/ ١٧، ١٨. وانظر: ١٨/ ١٤٠ منه.
وقال العراقي في التقييد: ١٩: ((لم أرَ من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك، وإن كان في كلام المتقدّمين ذكر الحسن)).
وقال ابن حجر في نكته ١/ ٤٧٩: ((هذا ينبغي أن يقيّد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح، وهو قوله: الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف)).

<<  <   >  >>