للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما حديث ابن عمر الدال على اعتبار الثلاث فإما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة، ولكن السير يختلف، أو أن الحديث المرفوع ما سيق –وهذا المهم جداً- أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك، ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر، فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر فافترقا، والله أعلم.

الآن عندنا الدلالة الأصلية والتبعية التي يختلف أهل العلم في الاحتجاج بالدلالة الفرعية التبعية والشاطبي يقرر أنه لا يحتج بها، إنما يحتج بالخبر فيما سيق له، ويخالفه جمع من أهل العلم، يعني ملا تذكر الآية ما يستنبط منها أحياناً عشرة أحكام، عشرين حكم، بعضها قريب وبعضها بعيد، وقد تكون قد نزلت بسبب خاص، وكذلك الحديث قد يستنبط منه مئات الفوائد، منها القريب ومنها البعيد، وقد يكون سبب الورود شيء خاص سيق لأجله، فالمرجح في هذه المسألة في الاستدلال بالدلالة التبعية، لا شك أن الدلالة التبعية في النص الشرعي دعونا من كلام البشر الذين لا يلزمون بلوازم كلامهم، في النص الشرعي الذي لا تخفى عليه خافية أنها معتبرة ما لم تعارض بما هو أقوى منها، يعني الاستدلال على أن الحائض تقرأ القرآن بحديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) الحديث سيق لما يتعلق بأعمال الحج، وهل من أعمال الحج قراءة القرآن؟ الحاج ما عندنا إشكال أنه يقرأ القرآن كغيره، لكن هل من أعماله الخاصة به اللصيقة به قراءة القرآن؟ نقول: النص ما سيق لأجله، فالاستدلال بالدلالة التبعية، يبقى هل هذا النص معارض أو غير معارض؟

ومثله استدلال الحنفية بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر آخر إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر ثالثاً إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)).