قيل لهم: تعالوا إلى ناطق الكتاب، وصحيح السنة، أشاحوا بوجوههم، وقالوا: أنتم حشوية، ونوابت، وحملة أسفار، وأخذوا يسخرون من أهل السنة والحديث، وينبزونهم بألقاب السوء، ثم إذا نُزل بساحتهم، وأُقيمت عليهم الحجة، وافتضح أمرهم وضلالهم، زعموا أنهم يريدون التوفيق بين العقل والنقل، ونحو ذلك من الدعاوى.
وهذا التوصيف القرآني للمنافقين، ينطبق أيضاً على جماعة العلمانيين والليبراليين، المنتسبين إلى المسلمين؛ فهم لا يرفعون رأساً بشريعة الله، بل يعتقدون في قرارة أنفسهم أنَّها غير صالحة للتطبيق، وأنَّ الشريعة الإسلامية لا تناسب العصر الحديث، ثم إذا دُعوا إلى الله ورسوله أشاحوا بوجوههم، وازدروا من يدعوهم ونبزوهم بألقاب السوء من "الرجعية" و "الأصولية" و "الظلامية" و "الإرهاب"! حتى إذا ما أُقيمت عليهم الحجة، وصيح بهم من كل واد، أخذوا يتعللون بالتعليلات الباردة، ويقولون: ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾ كدعوى: الموائمة بين الأصالة والحداثة، ودعوى الوسطية، ودعوى التوفيق بين السياسة والشريعة، ودعوى تحسين صورة الإسلام! ونحو ذلك من زخرف القول، وبهرج العمل.
الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ هذا ذم لأهل التفرق في أصل الدين، لا في فروعه. وقد قيل: إنهم أهل الكتاب، وقيل: اليهود خاصة، وقيل: أهل الأهواء والبدع من هذه الأمة. قال ابن كثير ﵀: (وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ اللَّهِ، وَكَانَ مُخَالِفًا لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَشَرْعُهُ وَاحِدٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا افْتِرَاقَ، فَمَنِ اخْتَلَفَ فِيه ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ أَيْ: فِرَقًا كَأَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ -وَهِيَ الْأَهْوَاءُ وَالضَّلَالَاتُ -فَاللَّهُ قَدْ بَرَّأ رَسُولَهُ مِمَّا هُمْ فِيهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى