التنافي، بل ما قررناه يوافق حديث عروة ويفسره؛ وذلك أنه ليس في حديث عروة ما يدل على جواز الدفع من عرفة قبل غروب الشمس أصلًا؛ فإن قوله ﷺ:«وقد وقف بعرفة ليلًا أو نهارًا» يفسره فعله ﷺ؛ فإنه وقف بالمسلمين نهارًا إلى غروب الشمس؛ فدل على أنه واجب، وعروة لم يصل إلى عرفة إلا ليلًا فقط؛ لأنه لو كان قد وقف بها نهارًا مع الجمع العظيم ما قال للنبي ﷺ فهل لي من حج، وأكثر ما في حديث عروة صحة حج من وقف بعرفة نهارًا ودفع قبل الغروب، وقد أخذ الفقهاء بذلك فصححوا وقفته وأوجبوا عليه دمًا، كما صححوا وقفة من لم يصل إلى عرفة إلا ليلًا ولم يوجبوا عليه دمًا، وكما صححوا هم وغيرهم وقفة من وقف بعرفة نهارًا وبقي إلى غروب الشمس واعتقدوا أنه هو هدي النبي ﷺ، ورأوا وجوبه عملًا بفعل النبي ﷺ مع قوله:«خذوا عني مناسككم» وجمعوا بذلك بين سنن رسول الله ﷺ.
ومما يدل على عدم جواز الدفع من عرفة قبل الغروب عدم إذن النبي ﷺ للضعفة في ذلك مع ما يلقونه في طريقهم من الزحمة وحطمة الناس، كما رخص لهم في الدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع لذلك. ومعنى قول النبي ﷺ في حديث عروة:«فقد تم حجة» أي صح؛ فإن عروة لم يسأل إلا عن صحة حجه كما تفيده كلمة: فهل لي من حج يا رسول الله ووجوب الدم لا يمنع صحة الحج؛ فإن من ترك واجبًا من واجبات الحج عامدًا أو ناسيًا فعليه دم وحجه صحيح، ويشهد لاستعمال النبي ﷺ التمام بمعنى الصحة ما في النسائي وأبي داود مرفوعًا:«إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ثم يكبر الله» الحديث.