فإنه لا يسقط الفرضية، غاية ما يسقط المباشرة، وحينئذ تجوز استنابة الخائف على نفسه غيره في رمي الجمرات كما يستنيب المريض والعاجز، وهذا هو المخرج الشرعي الذي تقدمت الإشارة إليه.
ولا يجوز أن يقال: العلة التي أسقطت وجوب مباشرة الرمي عن المنوب عنه هي بعينها موجودة في حق النائب، وذلك للتفاوت بالجلد والقوة. وإذا عذر الخائف على نفسه والضعيف والمرأة إما مطلقًا لأجل هذا الزحام المذكور أو لغيره من الأعذار لم يباشر الرمي إلا نصف الحجيج مثلًا أو أقل، كما أن مما يخرج من معرة الزحام توخي الزمن الذي لا يكون فيه ذلك الزحام المذكور، أو لا يوجد فيه الزحام أصلًا، وبهذا يعلم أن للحجاج من الضرر عدة مخارج.
ثم سأل هذا الرجل سؤالًا، ليبدي ما لديه حوله من مقال. فقال: وهل يجب عليه أن يستنيب؟ أم تسقط عنه سقوطًا مطلقًا؟ فعند الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم أن يستنيب من يرمي عنه كالمعضوب وإن لم يفعل فعليه دم. لكن يرد عليه قاعدة من قواعد الشرع المشهورة وهي أنه لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة، وأنما تُرك للعذر وعدم القدرة على الفعل هو بمنزلة الآتي به في عدم الإثم، لأن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] وفي الحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(١) فلم يناسب التضييق بذلك مع العذر، ولهذا تجب الصلاة بحسب الإمكان، وما عجز عنه من شروطها وواجباتها سقط عنه، على أن شروط الصلاة وواجباتها آكد