وأيضًا ورد من الأدلة الشرعية على شرعية الرمي ووجوبه ما لم يرد مثله من المبيت، وقد تقدم ذلك.
وسقوط الوداع عن الحائض إلى غير بدل لا حجة فيه على سقوط كل واجب بالعذر إلى غير بدل، فإن الحيض في الحقيقة يمنع فعل تلك العبادة ووجوبها كما يمنع فعل الصلاة ووجوبها، بخلاف مسألتنا. مع أن الوداع مختلف فيه، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة، وأوجبه آخرون واختلفوا في حق من هو. فقيل: في حق الحاج فقط. وقيل: في الخارج من مكة مطلقًا.
قوله: إذا ثبت هذا، فإن الصحيح الذي ندين به وندعو الناس إليه: هو أن المعذور بمرض أو ضعف حال أو من يخاف على نفسه حطمة الرجال فإنه يسقط عنه الرمي سقوطًا مطلقًا بلا بدل، كما سقط المبيت عن الرعاة والسقاة، وكما سقط طواف الوداع عن الحائض وهو معدود من الواجبات. ولا نقول بوجوب الاستنابة في هذه الحالة، لعدم ما يدل عليها، ولأن الله سبحانه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
يقال: يتبين مما قدمناه بطلان ما قرره هذا الرجل، وأنه من الثبوت بمكان بعيد، ودللنا على بطلانه بما ليس عليه من مزيد، ومن سوء نظره لم يقتصر على نفسه في عجره وبجره، بل دعا إلى ذلك بما ألف وجمع، ونشر وطبع، ولكن يأبى الله ورسوله والمؤمنون، فلا يسقط رمي الجمار عن المعذور، وإنما يسقط عنه المباشرة فقط، لأن النبي ﷺ لم يسقط عن الرعاة، ولأن الأصل هو الوجوب، فلا يسقط إلا بدليل شرعي، ولا دليل، بل الأمر كما عرفت في رعاة الإبل. وقياسه على المبيت فاسد، لوجود الفارق كما تقدم. وهذا الرجل يهذي