وما ذكره: من أن الأمر إذا ضاق اتسع. هو حق، ولكنه به ما انتفع، لحصر سعته بما صور وابتدع، وألغى رخص من تقيد بالرخص الشرعية واتبع.
قوله: يبقى أن يقال: إن الناس لا يزالون يحجون على الدوام وفيهم العلماء الأعلام، وجهابذة الإسلام، ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال ولا فعله بنفسه. وأجاب عن هذا السؤال الذي أورده قائلًا: إن هذه المقالة شنشنة أهل الجمود المتعصبين على مذهب الآباء والجدود، فهم دائمًا يدفعون الدليل بمثل هذا التعليل، وقالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)﴾ [الزخرف: ٢٣].
يقال: من عناية الله ﵎ لدينه وشرعه أن يجري على لسان من خالف الحق ما هو من أقوى الحجج عليه، فهذا الرجل اعترف ها هنا بأن العلماء الأعلام وجهابذة الإسلام على الدوام يحجون ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال، ولا فعله بنفسه، فلقد صدق، وبالحق ها هنا نطق. وهذا مما يأتي على جميع ما مر من مفترياته بالهد والنقض، وإمامهم في عدم تجويز الرمي قبل الزوال هو سيد الأنام، ﷺ، فلعمري ما فعله ولا جوزه، وهم كذلك ما فعلوه ولا جوزوا، فليقم هذا الرجل البرهان على التجويز، وليرم هؤلاء الأئمة الأعلام بما لديه من السهام، وإذا فعل حصل الوئام، وانتفى عنه الملام، ولكن كلا وهيهات أن تشتمل كنانته من السهام، ما يصلح لهد حصن الأئمة الأعلام، وجهابذة الإسلام، الذين يحجون على الدوام، ولم يجوزوا