للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب)

وما يقتضيه، ولقد وفق الله أهل السنة والجماعة، فجمعوا بين الأدلة، ووفقوا بين النصوص الواردة في هذا الباب، وقالوا: لا يلزم من زوال جزء الإيمان زواله بالكلية، فقد يزول، وقد لا يزول، ولهذا قعدوا في هذا الباب قاعدة عظيمة، نفيسة، فقالوا: إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص باتباع خطوات الشيطان.

وبناءً على هذه القاعدة العظيمة التي استنبطوها وفهموها من خلال الاستقراء والتتبع لنصوص القرآن والسنة، قالوا: إن كل من نطق بالشهادتين، فهو مسلم من المسلمين، يحرم ماله ودمه وعرضه إلا بالحق، وأن له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وأنه لا يخرج من إسلامه بذنب ارتكبه، أو خطأ وقع فيه.

قال الإمام البخاري في صحيحه (١) (باب المعاصي من أمر الجاهلية) ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " «إنك امرؤ فيك جاهلية» "، وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] [النساء: ٤٨] قال ابن بطال مبينا مراد البخاري في عنوان هذا الباب (٢) (غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج، ويقول: أن من مات على ذلك يخلد في النار، والآية ترد عليهم؛ لأن المراد بقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] [النساء: ٤٨] من مات على كل ذنب سوى الشرك) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٣) - رحمه الله -: (يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم) .

وقال أيضًا: (٤) - رحمه الله -: (ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة. . . والخوارج المارقون الذين أمر النبي بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين واتفق على قتالهم أئمة


(١) صحيح البخاري (١ / ٢٠) .
(٢) فتح الباري (١ / ٨٥) .
(٣) مجموع الفتاوى (١٣ / ٣١) .
(٤) مجموع الفتاوى (٣ / ٢٨٢ - ٢٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>