للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجماع المستند إلى الكتاب والسنَّة والاعتبار يخالفه وينافيه، وأين هذا من هدي السلف والصحابة رضوان الله عليهم في المبالغة في صيانة قبره الشريف، وتثليث جداره كي لا يُصلَّى إليه، ولا يُتمكَّن من دعائه وسؤاله، عملاً بقوله- صلى الله عليه وسلم: " «اللَهمَّ لا تجعل قبري وثناً يعبد» " (١) وقد بالغ السلف في حماية حِمى التوحيد، والتباعد عن الشرك، وسدّ ذرائعه؛ وقطع وسائله؛ حتى منعوا من استقبال القبر عند دعاء الله؛ كما هو نص أحمد ومالك وأبي حنيفة رحمهم الله في أشرف القبور على الِإطلاق، فأين هذا من سؤاله صلى الله عليه وسلم وطلب ما لا يقدر عليه إلاَّ الله؟

وأما حديث الأعمى: فليس فيه ما يدلّ على غيبته صلى الله عليه وسلم، وهو توسل بدعائه كما كان الصحابة يتوسلون بذلك، ويسألون الاستغفار والدعاء. وقد قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] [التوبة ١٠٣] وقال تعالى حاكياً عن المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: ٥] [المنافقون ٥] فذم هذا الصنف بالصد عن ذلك.

فهذا كان هديهم وفعلهم في حياته صلى الله عليه وسم، وأمَّا بعد موته صلى الله عليه وسلم فلم يفعله أحد منهم، ولا من أهل العلم والإيمان بعدهم، بل قد ثبت النهي عن الدعاء عند القبر، فكيف بدعائه وقد تقدَّم ذلك قريبا: "وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها" (٢)


(١) أخرجه أحمد (٢ / ٢٤٦) ، ومالك في الموطأ (١ / ١٧٢، ح ٤١٤) ، وهو صحيح.
(٢) أخرجه البخاري (٧٢٧٧) ، ومسلم (٨٦٧) ، والنسائي (٣ / ٨٨ ١) ، وابن ماجه (٤٥) ، والدارمي (٣٥٦) في المقدمة، باب كراهية أخذ الرأي، وأحمد (٣ / ٣١، ٣١٩، ٣٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>